حذرا وإشفاقا من العدل.
قوله تعالى: * (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع) * [الآية: 24].
قال أبو سليمان الداراني: الأعمى حقا من عمى في آخر سفره وقد قارب المنزل فيضيع سعيه فلا استدلال ببصر ولا دليل قائد.
وقال بشر: الأعمى حقا من عمى عن طريق رشده والأصم حقا من صم عما أنذر به.
وقال بعضهم: البصير من عاين ما يراد به وما يجري له وعليه في جميع أوقاته والسميع من يسمع ما يخاطب به من تقريع وتأديب وحث وندب لا يغفل عن الخطاب في حال من الأحوال.
وقيل: السميع من فتح سمعه باستماع ما يعنيه.
وقيل: الأعمى الذي عمى عن رؤية الاعتبار والأصم الذي منع لطائف الخطاب والبصير الناظر إلى الأشياء بعين الحق فلا ينكر شيئا ولا يتعجب من شيء.
وقيل: السميع من يسمع من الحق فيميز بذلك الإلهام من الوسوسة.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: الأعمى الذي عمى عن درك الحقائق.
قوله تعالى: * (ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) * [الآية: 27].
قال أبو الفرج: لم يشهد مخالفو الأنبياء والرسل منهم إلا هياكل البشرية، وعموا عن درك حقائقهم في ميادين الربوبية واختصاصهم بما خصوا به من فناء حظوظهم فيهم وبقاء أشباحهم وهياكلهم رحمة للخلق.
فقالوا: ما نراك إلا بشرا مثلنا: أكلا وطعما وشربا، ولو لاحظوا مقامهم من الحق وقربهم منه لأخرستهم مشاهدتهم عن مثل هذا الخطاب؛ لأنهم في مشاهد القدس.
قوله تعالى: * (وما أنا بطارد الذين آمنوا) * [الآية: 29].
قال أبو عثمان رحمة الله عليه في هذه الآية: ما أنا بمعرض عمن أقبل على الله، فإن من أقبل على الله بالحقيقة أقبل الله عليه، ومن أعرض عمن أقبل الله عليه فقد أعرض عن الله.