أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٨٣
لفقرائهم دون أغنيائهم، وقول ابن عباس: " كنا نرى أنه لنا " إخبار أنه قال من طريق الرأي ولا حظ للرأي مع السنة واتفاق جل الصحابة من الخلفاء الأربعة. ويدل على صحة قول عمر فيما حكاه ابن عباس عنه حديث الزهري عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن المطلب بن ربيعة بن الحارث أنه والفضل بن عباس قالا: يا رسول الله قد بلغنا النكاح فجئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات فنؤدي إليك ما يؤدي العمال ونصيب ما يصيبون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس " ثم أمر محمية أن يصدقهما من الخمس، وهذا يدل على أن ذلك مستحق بالفقر، إذ كان إنما اقتضى لهما على مقدار الصداق الذي احتاجا إليه للتزويج ولم يأمر لهما بما فضل عن الحاجة. ويدل على أن الخمس غير مستحق قسمته على السهمان وأنه موكول إلى رأي الإمام قوله صلى الله عليه وسلم:
" مالي من هذا المال إلا الخمس والخمس مردود فيكم "، ولم يخصص القرابة بشيء منه دون غيرهم، دل ذلك على أنهم فيه كسائر الفقراء يستحقون منه مقدار الكفاية وسد الخلة. ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " يذهب كسرى فلا كسرى بعده أبدا ويذهب قيصر فلا قيصر بعده أبدا والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله! " فأخبر أنه ينفق في سبيل الله ولم يخصص به قوما من قوم. ويدل على أنه كان موكولا إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى المؤلفة قلوبهم وليس لهم ذكر في آية الخمس، فدل على ما ذكرنا. ويدل عليه أن كل من سمي في آية الخمس لا يستحق إلا بالفقر وهم اليتامى وابن السبيل، فكذلك ذو القربى، لأنه سهم من الخمس. ويدل عليه أنه لما حرم عليهم الصدقة أقيم ذلك لهم مقام ما حرم عليهم منها، فوجب أن لا يستحقه منهم إلا فقير كما أن الأصل الذي أقيم هذا مقامه لا يستحقه إلا فقير.
فإن قيل: موالي بني هاشم لا تحل لهم الصدقة ولم يدخلوا في استحقاق السهم من الخمس. قيل له: هذا غلط، لأن موالي بني هاشم لهم سهم من الخمس إذ كانوا فقراء على حسب ما هو لبني هاشم.
فإن قيل: إذا كانت قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحقون سهمهم بالفقر والحاجة فما وجه تخصيصه إياهم بالذكر وقد دخلوا في جملة المساكين؟ قيل له: كما خص اليتامى وابن السبيل بالذكر ولا يستحقونه إلا بالفقر، وأيضا لما سمى الله الخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل كما قال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) [التوبة: 60] الآية، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الصدقة لا تحل لآل محمد " فلو لم يسمهم في الخمس جاز أن يظن ظان أنه لا يجوز إعطاؤهم منه كما لا يجوز أن يعطوا من الصدقات، فسماهم إعلاما منه لنا أن سبيلهم فيه بخلاف سبيلهم في الصدقات.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»