أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٨٢
الخمس أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى ويجتهد ". وقال الأوزاعي: " خمس الغنيمة لمن سمي في الآية ". وقال الشافعي: " يقسم سهم ذوي القربى بين غنيهم وفقيرهم ".
قال أبو بكر: قوله تعالى: (ولذي القربى) لفظ مجمل مفتقر إلى البيان وليس بعموم، وذلك لأن ذا القربى لا يختص بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الناس، ومعلوم أنه لم يرد بها أقرباء سائر الناس، فصار اللفظ مجملا مفتقرا إلى البيان. وقد اتفق السلف على أنه قد أريد أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من قال: إن المستحقين لسهم الخمس من الأقرباء هم الذين كان لهم نصرة وإن السهم كان مستحقا بالأمرين من القرابة والنصرة وإن من ليس نصرة ممن حدث بعد فإنما يستحقه بالفقر كما يستحقه سائر الفقراء، ويستدلون على ذلك بحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم قال: لما فسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان فقلنا:
يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم بمكانك الذي وضعك الله فيهم، أرأيت بني المطلب أعطيتم ومنعتنا وإنما هم ونحن منك بمنزلة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " وشبك بين أصابعه. فهذا يدل من وجهين على أنه غير مستحق بالقرابة فحسب، أحدهما: أن بني المطلب وبني عبد شمس في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم سواء، فأعطى بني المطلب ولم يعط بني عبد شمس، ولو كان مستحقا بالقرابة لساوى بينهم. والثاني: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك خرج مخرج البيان لما أجمل في الكتاب من ذكر ذي القربى، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النصرة مع القرابة دل على أن ذلك مراد الله تعالى، فمن لم يكن له منهم نصرة فإنما يستحقه بالفقر. وأيضا فإن الخلفاء الأربعة متفقون على أنه لا يستحق إلا بالفقر. وقال محمد بن إسحاق: سألت محمد بن علي فقلت: ما فعل علي رضي الله عنه بسهم ذوي القربى حين ولي؟ فقال: سلك به سبيل أبي بكر وعمر وكره أن يدعى عليه خلافهما. قال أبو بكر: لو لم يكن هذا رأيه لما قضى به، لأنه قد خالفهما في أشياء مثل الجد والتسوية في العطايا وأشياء أخر، فثبت أن رأيه ورأيهما كان سواء في أن سهم ذوي القربى إنما يستحقه الفقراء منهم. ولما أجمع الخلفاء الأربعة عليه ثبتت حجته بإجماعهم، لقوله صلى الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ". وفي حديث يزيد بن هرمز عن ابن عباس فيما كتب به إلى نجدة الحروري حين سأله عن سهم ذي القربى فقال: " كنا نرى أنه لنا فدعانا عمر إلى أن نزوج منه أيمنا ونقضي منه عن مغرمنا فأبينا أن لا يسلمه لنا وأبى ذلك علينا قومنا " وفي بعض الألفاظ: " فأبى ذلك علينا بنو عمنا ". فأخبر أن قومه وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوه
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»