أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٨٥
كعب بن لؤي " وأنه قال: " يا بني هاشم يا بني قصي يا بني عبد مناف "، وروي عنه أنه قال لعلي: " اجمع لي بني هاشم " وهم أربعون رجلا. قالوا: فلما ثبت أن قريشا كلها من أقربائه وكان إعطاء السهم من الخمس موكولا إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من كان له منهم نصرة دون غيرهم. قال أبو بكر: اسم القرابة واقع على هؤلاء كلهم لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم إياهم عند نزول قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) [الشعراء: 214]، فثبت بذلك أن الاسم يتناول الجميع. فقد تعلق بذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم أحكام ثلاثة، أحدها: استحقاق سهم من الخمس بقوله تعالى: (وللرسول ولذي القربى) وهم الفقراء منهم على الشرائط التي قدمنا ذكرها عن المختلفين فيها، والثاني: تحريم الصدقة عليهم وهم آل علي وآل العباس وآل عقيل وآل جعفر وولد الحارث بن عبد المطلب، وهؤلاء هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولا حظ لبني المطلب في هذا الحكم لأنهم ليسوا أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لكانت بنو أمية من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن آله، ولا خلاف أنهم ليسوا كذلك فكذلك بنو المطلب لمساواتهم إياه في نسبهم من النبي صلى الله عليه وسلم، والثالث:
تخصيص الله تعالى لنبيه بإنذار عشيرته الأقربين، فانتظم ذلك بطون قريش كلها على ما ورد به الأثر في إنذاره إياهم عند نزول الآية، وإنما خص عشيرته الأقربين بالإنذار لأنه أبلغ عند نزول الآية في الدعاء إلى الدين وأقرب إلى نفي المحاباة والمداهنة في الدعاء إلى الله عز وجل لأن سائر الناس إذا علموا أنه لم يحتمل عشيرته على عبادة غير الله وأنذرهم ونهاهم أنه أولى بذلك منهم، إذ لو جازت المحاباة في ذلك لأحد لكانت أقرباؤه أولى الناس بها.
وقوله تعالى: (واليتامى) فإن حقيقة اليتم هو الانفراد، ومنه الرابية المنفردة تسمى يتيمة والمرأة المنفردة عن الأزواج تسمى يتيمة، إلا أنه قد اختص في الناس بالصغير الذي قد مات أبوه، وهو يفيد الفقر مع ذلك أيضا عند الإطلاق، ولذلك قال أصحابنا فيمن أوصى ليتامى بني فلان وهم لا يحصون أن الوصية جائزة لأنها للفقراء منهم، ولا خلاف أنه قد أريد مع اليتم الفقر في هذه الآية وأن الأغنياء من الأيتام لا حظ لهم فيه. ويدل على أن اليتم اسم يقع على الصغير الذي قد مات أبوه دون الكبير قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا يتم بعد حلم "، وقد قيل: إن كل ولد يتيم من قبل أمه إلا الانسان فإن يتمه من قبل أبيه.
وقوله تعالى: (وابن السبيل) فإنه المسافر المنقطع به المحتاج إلى ما يتحمل به إلى بلده وإن كان له مال في بلده، فهو بمنزلة الفقير الذي لا مال له، لأن المعنى في وجوب إعطائه حاجته إليه، فلا فرق بين من له مال لا يصل إليه وبين من لا مال له.
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»