أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٧٢
يمنعه، ودل ذلك على أن قوله بديا ادفعه إليه لم يكن على جهة الإيجاب وإنما كان على وجه النفل، وجائز أن يكون ذلك من الخمس.
ويدل عليه ما روى يوسف الماجشون قال: حدثني صالح بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أن معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح قتلا أبا جهل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلاكما قتله " وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو. فلما قضى به لأحدهما مع اخباره أنهما قتلاه دل على أنهما لم يستحقاه إلا بالقتل، ألا ترى أنه لو قال من قتل قتيلا فله سلبه ثم قتله رجلان استحقا السلب نصفين؟ فلو كان القاتل مستحقا للسلب لوجب أن يكون لو وجد قتيل لا يعرف قاتله أن لا يكون سلبه من جملة الغنيمة بل يكون لقطة لأن له مستحقا بعينه، فلما اتفق الجميع على أن سلب من لم يعرف قاتله في المعركة من جملة الغنيمة دل على أن القاتل لا يستحقه.
وقد قال الشافعي: " إن القاتل لا يستحق السلب في الإدبار وإنما يستحقه في الإقبال "، فالأثر الوارد في السلب لم يفرق بين حال الإقبال والإدبار. فإن احتج بالخبر فقد خالفه، وإن احتج بالنظر فالنظر يوجب أن يكون غنيمة للجميع لاتفاقهم على أنه إذا قتله في حال الإدبار لم يستحقه وكان غنيمة، والمعنى الجامع بينهما أنه قتله بمعاونة الجميع ولم يتقدم من الأمير قول في استحقاقه. ويدل على أن القاتل إنما يستحقه إذا تقدم من الأمير قول قبل إحراز الغنيمة أنه لو قال: من قتل قتيلا فله سلبه، ثم قتله مقبلا أو مدبرا استحق سلبه ولم يختلف حال الإقبال والإدبار، فلو كان السلب مستحقا بنفس القتل لما اختلف حكمه في حال الإقبال و الإدبار. وقد روي عن عمر في قتيل البراء بن مالك أنا كنا لا نخمس السلب وأن سلب البراء قد بلغ مالا ولا أرانا إلا خامسيه.
مطلب: إذا قال الأمير من أصاب شيئا فهو له واختلف في الأمير إذا قال: من أصاب شيئا فهو له، فقال أصحابنا والثوري والأوزاعي: " هو كما قال ولا خمس فيه "، وكره مالك أن يقول من أصاب شيئا فهو له لأنه قتال بجعل. وقال الشافعي: " يخمس ما أصابه إلا سلب المقتول ". قال أبو بكر: لما اتفقوا على جواز أن يقول: من أصاب شيئا فهو له، وأنه يستحق، وجب أن لا خمس فيه وأن لا يجوز قطع حقوق أهل الخمس عنه كما جاز قطع حقوق سائر الغانمين عنه. وأيضا فإن قوله: من أصاب شيئا فهو له، بمنزلة من قتل قتيلا فله سلبه، فلما لم يجب في السلب الخمس إذا قال الأمير ذلك كذلك سائر الغنيمة. وأيضا فإن الله تعالى إنما أوجب
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»