قوله (لله) افتتاح كلام وهو مقسوم على خمسة، وهو قول عطاء والشعبي وقتادة. وقال أبو العالية: كان مقسوما على ستة أسهم لله سهم يجعل للكعبة ولكل واحد من المسمين في الآية سهم. وأخبر ابن عباس في حديث الكلبي أن الخلفاء الأربعة قسموه على ثلاثة.
وقال جابر بن عبد الله: كان يحمل من الخمس في سبيل الله ويعطى منه نائبة القوم ثم جعل في غير ذلك. وقال محمد بن مسلمة وهو من المتأخرين من أهل المدينة: جعل الله الرأي في الخمس إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كما كانت الأنفال له قبل نزول آية قسمة الغنيمة، فنسخت الأنفال في الأربعة الأخماس وترك الخمس على ما كان عليه موكولا إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم وكما قال: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) [الحشر: 7] ثم قال:
(وما آتاكم الرسول فخذوه) [الحشر: 7]، فذكر هذه الوجوه ثم قال: (وما آتاكم الرسول فخذوه) [الحشر: 7] فبين في آخره أنه موكول إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الخمس قال فيه إنه لله وللرسول يعني قسمته موكولة إليه، ثم بين الوجوه التي يقسم عليها على ما يرى ويختار. ويدل على ذلك حديث عبد الواحد بن زياد عن الحجاج بن أرطاة قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر أنه سئل: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع بالخمس؟ قال: " كان يحمل منه في سبيل الله الرجل ثم الرجل ثم الرجل ". والمعنى في ذلك أنه كان يعطي منه المستحقين ولم يكن يقسمه أخماسا. وأما قول من قال: " إن القسمة كانت في الأصل على ستة وإن سهم الله كان مصروفا إلى الكعبة " فلا معنى له، لأنه لو كان ذلك ثابتا لورد النقل به متواترا ولكانت الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس باستعمال ذلك، فلما لم يثبت ذلك عنهم علم أنه غير ثابت. وأيضا فإن سهم الكعبة ليس بأولى بأن يكون منسوبا إلى الله تعالى من سائر السهام المذكورة في الآية إذ كلها مصروف في وجوه القرب إلى الله عز وجل، فدل ذلك على أن قوله: (فأن لله خمسه) غير مخصوص بسهم الكعبة، فلما بطل ذلك لم يخل المراد بذلك من أحد وجهين: إما أن يكون مفتاحا للكلام على ما حكيناه عن جماعة من السلف وعلى وجه تعليمنا التبرك بذكر الله وافتتاح الأمور باسمه، أو أن يكون معناه أن الخمس مصروف في وجوه القرب إلى الله تعالى، ثم بين تلك الوجوه فقال: (وللرسول ولذي القربى) الآية، فأجمل بديا حكم الخمس ثم فسر الوجوه التي أجملها.
فإن قيل: لو أراد ما قلت لقال: فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى، ولم يكن يدخل الواو بين اسم الله تعالى واسم رسول الله. قيل له: لا يجب ذلك، من قبل أنه جائز في اللغة إدخال الواو والمراد إلغاؤها كما قال تعالى: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان