ويدل عليه أن راكب البرذون يسمى فارسا كما يسمى به راكب الفرس العربي، فيما أجري عليهما اسم الفارس وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " للفارس سهمان وللراجل سهم " عم ذلك فارس البرذون كما عم فارس العراب. وأيضا إن كان من الخيل فواجب أن لا يختلف سهمه وسهم العربي، وإن لم يكن من الخيل فواجب أن لا يستحق شيئا، فلما وافقنا الليث و من قال بقوله أنه يسهم له دل على أنه من الخيل وأنه لا فرق بينه وبين العربي. وأيضا لا يختلف الفقهاء في أنه بمنزلة الفرس العربي في جواز أكله وحظره على اختلافهم فيه، فدل على أنهما جنس واحد، فصار فرق ما بينهما كفرق ما بين الذكر والأنثى والهزيل والسمين والجواد وما دونه، وأن اختلافهما في هذه الوجوه لم يوجب اختلاف سهامهما.
وأيضا فإن الفرس العربي وإن أجرى من البرذون فإن البرذون أقوى منه على حمل السلاح. وأيضا فإن الرجل العربي والعجمي لا يختلفان في حكم السهام كذلك الخيل العربي والعجمي. وقال عبد الله بن دينار: سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال سعيد: " وهل في الخيل من صدقة؟ " وعن الحسن أنه قال: " البراذين بمنزلة الخيل ". وقال مكحول: " أول من قسم للبراذين خالد بن الوليد يوم دمشق، قسم للبراذين نصف سهمان الخيل لما رأى من جريها وقوتها، فكان يعطي البراذين سهما سهما "، وهذا حديث مقطوع وقد أخبر فيه أنه فعله من طريق الرأي والاجتهاد لما رأى من قوتها، فإذا ليس بتوقيف. وقد روى إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال:
" أغارت الخيل بالشام وعلى الناس رجل من همدان يقال له المنذر بن أبي حمصة الوادعي، فأدركت الخيل العراب من يومها وأدركت الكوادن من الغد، فقال: لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك، فكتب إلى عمر فيه، فكتب عمر: هبلت الوادعي أمه! لقد أذكرت به، أمضوها على ما قال! " فاحتج من لم يسهم للبراذين بذلك. ولا دلالة في هذا الحديث على أن ذلك كان رأي عمر، وإنما أجازه لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد، وقد حكم به أمير الجيش فأنفذه.
واختلف فيمن يغزو بأفراس، فقال أبو حنيفة ومحمد ومالك والشافعي: " لا يسهم إلا لفرس واحد ". وقال أبو يوسف والثوري والأوزاعي والليث: " يسهم لفرسين ".
والذي يدل على صحة القول الأول أنه معلوم أن الجيش قد كانوا يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما ظهر الاسلام بفتح خيبر ومكة وحنين وغيرها من المغازي، ولم يكن يخلو الجماعة منهم من أن يكون معه فرسان أو أكثر، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لأكثر من فرس واحد. وأيضا فإن الفرس آلة وكان القياس أن لا يضرب له بسهم كسائر الآلات، فلما ثبت بالسنة والاتفاق سهم الفرس الواحد أثبتناه ولم نثبت الزيادة إلا بتوقيف إذ كان القياس يمنعه.