أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٧٣
ومن سورة الحشر بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر). قال مجاهد وقتادة: " أول الحشر جلاء بني النضير من اليهود، فمنهم من خرج إلى خيبر ومنهم من خرج إلى الشام ". وقال الزهري: " قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من شئ إلا الحلقة، والحلقة السلاح ".
قال أبو بكر: قد انتظم ذلك معنيين: أحدهما مصالحة أهل الحرب على الجلاء عن ديارهم من غير سبي ولا استرقاق ولا دخول في الذمة ولا أخذ جزية، وهذا الحكم منسوخ عندنا إذا كان بالمسلمين قوة على قتالهم على الاسلام، أو أداء الجزية، وذلك لأن الله قد أمر بقتال الكفار. حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية، قال الله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) إلى قوله: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة: 29]، وقال: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [التوبة: 5]، فغير جائز إذا كان بالمسلمين قوة على قتالهم وإدخالهم في الذمة أو الاسلام أن يجلوهم، ولكنه لو عجز المسلمون عن مقاومتهم في إدخالهم في الاسلام أو الذمة جاز لهم مصالحتهم على الجلاء عن بلادهم. والمعنى الثاني جواز مصالحة أهل الحرب على مجهول من المال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على أراضيهم وعلى الحلقة وترك لهم ما أقلت الإبل، وذلك مجهول.
وقوله تعالى: (فاعتبروا يا أولي الأبصار) فيه أمر بالاعتبار، والقياس في أحكام الحوادث ضرب من الاعتبار، فوجب استعماله بظاهر الآية.
وقوله تعالى: (ما قطعتم من لينة)، قال ابن عباس وقتادة: " كل نخلة لينة سوى العجوة ". وقال مجاهد وعمرو بن ميمون: " كل نخلة لينة "، وقيل: " اللينة كرام النخل ".
وروى ابن جريج عن مجاهد: ما قطعتم من لينة النخلة، نهي بعض المهاجرين عن قطع النخل وقال: إنما هي مغانم المسلمين، فنزل القرآن بتصديق من نهى وبتحليل من قطعها
(٥٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 568 569 570 571 572 573 574 575 576 577 578 ... » »»