كان مستحقا بعقد النكاح وحكم الوطء الثاني كالأول في أنه مستحق بسبب واحد ثم حرمه بالظهار، جاز أن يكون الإقدام على استباحته عودا لما حرم فكان هذا المعنى مطابقا للفظ.
فإن قيل: إن كانت الاستباحة هي الموجبة للكفارة فليس يخلو ذلك من أن يكون العزيمة على الاستباحة وعلى الإقدام على الوطء أو إيقاع الوطء، فإن كان المراد الأول فهذا يلزمك إيجاب الكفارة بنفس العزيمة قبل الوطء كما قال مالك والحسن بن صالح، وإن كان المراد إيقاع الوطء فواجب أن لا تلزمه الكفارة إلا بعد الوطء، وهذا خلاف الآية وليس هو قولك أيضا. قيل له: المعنى في ذلك هو ما قد بينا من الإقدام على استباحة الوطء، فقيل له: إذا أردت الوطء وعدت لاستباحة ما حرمته فلا تطأ حتى تكفر، لا أن الكفارة واجبة ولكنها شرط في رفع التحريم، كقوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) [النحل: 98] يعني فقدم الاستعاذة قبل القراءة، وقوله: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) [المائدة: 6] والمعنى: إذا أردتم القيام وأنتم محدثون فقدموا الغسل، وقوله: (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) [المجادلة: 12]، وكقوله (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) [الطلاق، 1] والمعنى: إذا أردتم ذلك.
قال أبو بكر: قد ثبت بما قدمنا أن الظهار لا يوجب كفارة وإنما يوجب تحريم الوطء ولا يرتفع إلا بالكفارة، فإذا لم يرد وطأها فلا كفارة عليه، وإن ماتت أو عاشت فلا شيء عليه، إذ كان حكم الظهار إيجاب التحريم فقط موقتا بأداء الكفارة، وأنه متى لم يكفر فالوطء محظور عليه فإن وطئ سقط الظهار والكفارة، وذلك لأنه علق حكم الظهار وما أوجب به من الكفارة بأدائها قبل الوطء لقوله: (من قبل أن يتماسا)، فمتى وقع المسيس فقد فات الشرط فلا تجب الكفارة بالآية، لأن كل فرض محصور بوقت أو معلق على شرط فإنه متى فات الوقت وعدم الشرط لم يجب باللفظ الأول واحتيج إلى دلالة أخرى في إيجاب مثله في الوقت الثاني. فهذا حكم الظهار إذا وقع المسيس قبل التكفير، إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا ظاهر من امرأته فوطئها قبل التكفير ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: " استغفر الله ولا تعد حتى تكفر " فصار التحريم الذي بعد الوطء واجبا بالسنة.
وقد اختلف السلف فيمن وطئ ما الذي يجب عليه من الكفارة بعده، فقال الحسن وجابر بن زيد وإبراهيم وابن المسيب: " ليس عليه إلا كفارة واحدة "، وكذلك قول مجاهد وطاوس وابن سيرين في آخرين. وقد روي عن عمرو بن العاص وقبيصة بن ذؤيب