أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٥٩
يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالطلاق وإنما علق القول فيه فقال: " ما أراك إلا قد حرمت " فلم يقطع بالتحريم، وجائز أن يكون الله تعالى قد أعلمه قبل ذلك أنه سينسخ هذا الحكم وينقله من الطلاق إلى تحريم الظهار الآن، فجوز النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل الله الآية فلم يثبت الحكم فيه، فلما نزلت الآية حكم فيها بموجبها.
وقوله تعالى: (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا)، يعني والله أعلم في تشبيهها بظهر الأم، لأن الاستمتاع بالأم محرم تحريما مؤبدا، وهي لا تحرم عليه بهذا القول تحريما مؤبدا، فكان ذلك منكرا من القول وزورا.
وقوله تعالى: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم)، وذلك خطاب للمؤمنين يدل على أن الظهار مخصوص به المؤمنون دون أهل الذمة. فإن قيل: فقد قال الله: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) ولم يخصص المذكورين في الثانية. قيل له المذكورون في الآية الثانية هم المذكورون في الآية الأولى، فوجب أن يكون خاصا في المسلمين دون غيرهم.
وأما قوله: (ثم يعودون لما قالوا) فقد اختلف الناس فيه، فروى معمر عن طاوس عن أبيه: (ثم يعودون لما قالوا) قال: " الوطء، فإذا حنث فعليه الكفارة ". وهذا تأويل مخالف للآية، لأنه قال: (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا). وقد روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس قال: " إذا تكلم بالظهار لزمه ". وروي عن ابن عباس: " أنه إذا قال أنت علي كظهر أمي لم تحل له حتى يكفر ". وروي عن ابن شهاب وقتادة: " إذا أراد جماعها لم يقربها حتى يكفر ".
وقد اختلف فقهاء الأمصار في معنى العود، فقال أصحابنا والليث بن سعد:
" الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة " ومعنى العود عندهم استباحة وطئها فلا يفعله إلا بكفارة يقدمها. وذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف: " لو وطئها ثم ماتت لم يكن عليه كفارة ". وقال الثوري: " إذا ظاهره منها لم تحل له إلا بعد الكفارة، وإن طلقها ثم تزوجها لم يطأها حتى يكفر "، وهذا موافق لقول أصحابنا. وقال ابن وهب عن مالك: " إذا أجمع بعد الظهار على إمساكها وإصابتها فقد وجبت عليه الكفارة، فإن طلقها بعد الظهار ولم يجمع على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه، وإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة الظهار ". وذكر ابن القاسم عنه أنه إذا ظاهر منه ثم وطئها ثم ماتت فلا بد من الكفارة لأنه وطئ بعد الظهار. وقال أشهب عن مالك: " إذا أجمع بعد الظهار على إمساكها وإصابتها وطلب الكفارة فماتت امرأته فعليه الكفارة ". وقال الحسن: " إذا أجمع رأي المظاهر على أن يجامع امرأته فقد لزمته الكفارة وإن أراد تركها بعد ذلك، لأن العود
(٥٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 554 555 556 557 558 559 560 561 562 563 564 ... » »»