أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٥٨
ومن سورة المجادلة بسم الله الرحمن الرحيم قوله عز وجل: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) إلى قوله: (وإن الله لعفو غفور). روى سفيان عن خالد عن أبي قلابة قال: " كان طلاقهم في الجاهلية الإيلاء والظهار، فلما جاء الاسلام جعل الله في الظهار ما جعل فيه وجعل في الإيلاء ما جعل فيه ". وقال عكرمة: " كانت النساء تحرم بالظهار حتى أنزل الله: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) الآية ". وأما المجادلة التي كانت في المرأة، فإن عبد الله بن محمد حدثنا قال، حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أبي إسحاق في قوله: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها): " في امرأة يقال لها خويلة ". وقال عكرمة: بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت، قالت إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أراك إلا قد حرمت عليه " وهو يومئذ يغسل رأسه، فقالت: انظر جعلني الله فداك يا نبي الله! قال: " ما أراك إلا قد حرمت عليه " فأعادت ذلك مرارا، فأنزل الله: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) إلى قوله: (ثم يعودون لما قالوا). قال قتادة: " حرمها ثم يريد أن يعود لها فيطأها فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ".
قال أبو بكر: قوله عليه السلام: " ما أراك إلا قد حرمت عليه " يحتمل أن يريد به تحريم الطلاق على ما كان عليه حكم الظهار، ويحتمل أن يريد به تحريم الظهار، والأولى أن يكون المراد تحريم الطلاق لأن حكم الظهار مأخوذ من الآية والآية نزلت بعد هذا القول، فثبت أن مراده تحريم الطلاق ورفع النكاح، وهذا يوجب أن يكون هذا الحكم قد كان ثابتا في الشريعة قبل نزول آية الظهار وإن كان قبل ذلك من حكم أهل الجاهلية. فإن قيل: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم فيها بالطلاق بقوله: " ما أراك إلا قد حرمت " فكيف حكم فيها بعينها بالظهار بعد حكمه بالطلاق بذلك القول بعينه في شخص بعينه؟ وإنما النسخ يوجب الحكم في المستقبل بخلاف الأول في الماضي. قيل له: لم
(٥٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 553 554 555 556 557 558 559 560 561 562 563 ... » »»