أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٤٣
في الحديث الذي قدمنا غيبة، لأن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التعريف لا على جهة العيب، وهو كما روي عنه أنه قال: " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما عراض الوجوه صغار العيون فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة "، فلم يكن ذلك غيبة وإنما كان تعريفا لهم صفة القوم.
قوله تعالى: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). روي عن مجاهد وقتادة: " الشعوب النسب الأبعد، والقبائل الأقرب، فيقال بني فلان وفلان ".
وقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). بدأ بذكر الخلق من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء، ثم جعلهم شعوبا يعني متشعبين متفرقين في الأنساب كالأمم المتفرقة نحو العرب وفارس والروم والهند ونحوهم، ثم جعلهم قبائل وهم أخص من الشعوب نحو قبائل العرب وبيوتات العجم، ليتعارفوا بالنسبة، كما خالف بين خلقهم وصورهم ليعرف بعضهم بعضا. ودل بذلك على أنه لا فضل لبعضهم على بعض من جهة النسب، إذ كانوا جميعا من أب وأم واحدة، ولأن الفضل لا يستحق بعمل غيره، فبين الله تعالى ذلك لنا لئلا يفخر هذه بعضنا على بعض بالنسب، وأكد ذلك بقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فأبان أن الفضيلة والرفعة إنما تستحق بتقوى الله وطاعته. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته أنه قال: " إن الله قد أذهب نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ". وقال ابن عباس وعطاء: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أعظمكم بيتا ". آخر سورة الحجرات
(٥٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 ... » »»