سلمة: (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) قال: " قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
يا فلان، فيقولون: مه يا رسول الله إنه يغضب من هذا الاسم! فأنزلت هذه الآية:
(ولا تنابزوا بالألقاب) ". وهذا يدل على أن اللقب المكروه هو ما يكرهه صاحبه ويفيد ذما للموصوف به، لأنه بمنزلة السباب والشتيمة. فأما الأسماء والأوصاف الجارية غير هذا المجرى فغير مكروهة لم يتناولها النهي، لأنها بمنزلة أسماء الأشخاص والأسماء المشتقة من أفعال. وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن يزيد بن خيثم عن محمد بن كعب قال: حدثني محمد بن خيثم المحاربي عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع، فلما نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بها شهرا وصالح فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ووادعهم، فقال لي علي رضي الله عنه: هل لك أن تأتي هؤلاء من بني مدلج يعملون في عير لهم ننظر كيف يعملون! فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النوم، فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا، فما أنبهنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدمه، فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " يا أبا تراب " لما عليه من التراب، فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال: " ألا أخبركم بأشقى رجلين؟ " قلنا: من هما يا رسول الله؟ قال:
" أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذا " ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسه " حتى تبل منه هذه " ووضع يده على لحيته. وقال سهل بن سعد: " ما كان اسم أحب إلى علي رضي الله عنه أن يدعى به من أبي تراب ". فمثل هذا لا يكره، إذ ليس فيه ذم ولا يكرهه صاحبه. وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا إبراهيم بن مهدي قال: حدثنا شريك عن عاصم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ذا الأذنين ".
وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماء قوم، فسمى العاص عبد الله وسمى شهابا هشاما وسمى حربا سلما، وفي جميع ذلك دليل على أن المنهي من الألقاب ما ذكرنا دون غيره. وقد روي أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا " يعني الصغر. قال أبو بكر: فلم يكن ذلك غيبة لأنه لم يرد به ذم المذكور ولا غيبته.
مطلب: الظن على أربعة أضرب وقوله تعالى: (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) اقتضت الآية النهي عن بعض الظن لا عن جميعه، لأن قوله: (كثيرا من الظن) يقتضي البعض، وعقبه بقوله:
(إن بعض الظن إثم) فدل على أنه لم ينه عن جميعه. وقال في آية أخرى: (وإن الظن