يا نبي الله من يأكل من هذا؟ قال: " فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من الأكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها! ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا يزيد بن مرة سنة ثلاث عشرة ومائتين قال:
حدثنا ابن عون أن ناسا أتوا ابن سيرين فقالوا: إنا ننال منك فاجعلنا في حل! فقال:
لا أحل لكم ما حرم الله عليكم، وروى الربيع بن صبيح أن رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد إني أرى أمرا أكرهه! قال: وما ذاك يا ابن أخي؟ قال: أرى أقواما يحضرون مجلسك يحفظون عليك سقط كلامك ثم يحكونك ويعيبونك، فقال: يا ابن أخي لا يكبرن هذا عليك، أخبرك بما هو أعجب؟ قال: وما ذاك يا عم؟ قال: " أطمعت نفسي في جوار الرحمن وحلول الجنان والنجاة من النيران ومرافقة الأنبياء ولم أطمع نفسي في السلامة من الناس، إنه لو سلم من الناس أحد لسلم منهم خالقهم الذي خلقهم، فإذا لم يسلم خالقهم فالمخلوق أجدر أن لا يسلم ". حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا داود بن المجبر قال: حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن قال: حدثني خالد بن يزيد اليمامي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته ".
وقوله تعالى: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) تأكيد لتقبيح الغيبة والزجر عنه من وجوه، أحدها: أن لحم الانسان محرم الأكل، فكذلك الغيبة.
والثاني: أن النفوس تعاف أكل لحم الانسان من جهة الطبع، فلتكن الغيبة عندكم بمنزلته في الكراهة ولزوم اجتنابه من جهة موجب العقل، إذ كانت دواعي العقل أحق بالاتباع من دواعي الطبع. ولم يقتصر على ذكر الانسان الميت حتى جعله أخاه، وهذا أبلغ ما يكون في التقبيح والزجر، فهذا كله إنما هو في المسلم الذي ظاهره العدالة ولم يظهر منه ما يوجب تفسيقه كما يجب علينا تكذيب قاذفه بذلك، فإن كان المقذوف بذلك مهتوكا فاسقا فإن ذكر ما فيه من الأفعال القبيحة غير محظور، كما لا يجب على سامعه النكير على قائله. ووصفه بما يكرهه على ضربين، أحدهما: ذكر أفعاله القبيحة، والآخر:
وصف خلقته وإن كان مشينا على جهة الاحتقار له وتصغيره لا على جهة ذمه بها ولا عيب صانعها على نحو ما روينا عن الحسن في وصفه الحجاج بقبح الخلقة. وقد يجوز وصف قوم في الجملة ببعض ما إذا وصف به انسان بعينه كان غيبة محظورة، ثم لا يكون غيبة إذا وصف به الجملة على وجه التعريف، كما روى أبو حازم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني تزوجت امرأة! قال: " هل نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئا "، فإنه لم يكن غيبة، وجعل وصف عائشة الرجل بالقصر