أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٤٧
أموالهم حق معلوم) قال: " الصدقة حق معلوم ". وروى حجاج عن الحكم عن ابن عباس قال: " نسخت الزكاة كل صدقة "، والحجاج عن أبي جعفر مثله.
واختلف الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فروي عنه ما يحتج به كل واحد من الفريقين، فروى طلحة بن عبيد الله قصة الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما عليه، فذكر الصلاة والزكاة والصيام، فقال: هل علي شيء غير هذا؟ قال: " لا ". وروى عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك فيه ". وروى دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت الحق الذي يجب عليك ". فهذه الأخبار يحتج بها من تأول " حقا معلوما " على الزكاة، وأنه لا حق على صاحب المال غيرها. واحتج ابن سيرين بأن الزكاة حق معلوم وسائر الحقوق التي يوجبها مخالفوه ليست بمعلومة. واحتج من أوجب فيه حقا سوى الزكاة بما روى الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي المال حق سوى الزكاة؟ فتلا: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) [البقرة: 177] الآية، فذكر الزكاة في نسخ التلاوة بعد قوله: (وآتى المال على حبه) [البقرة: 177]. ويحتجون أيضا بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها في عسرها ويسرها إلا برز لها بقاع قرقر تطأه بأخفافها "، وذكر البقر والغنم، فقال أعرابي: يا أبا هريرة وما حقها؟ قال: تمنح الغزيرة وتعطى الكريمة وتحمل على الظهر وتسقي اللبن. وفي حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله وما حقها؟ قال: " إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله ". وروى الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني مقبلا قال: " هم الأخسرون ورب الكعبة؟ " فقلت: يا رسول الله من هم؟ قال: " هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا " حثا عن يمينه وعن شماله وبين يديه " ما من رجل يموت ويترك إبلا لم يؤد زكاتها إلا جاءته يوم القيامة تنطحه بقرونها وتطأه بأخفافها كلما بعدت أخراها أعيدت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس ".
قال أبو بكر: هذه الأخبار كلها مستعملة، وفي المال حق سوى الزكاة باتفاق المسلمين، منه ما يلزم من النفقة على والديه إذا كانا فقيرين وعلى ذوي أرحامه وما يلزم من إطعام المضطر وحمل المنقطع به وما جرى مجرى ذلك من الحقوق اللازمة عند ما يعرض من هذه الأحوال.
وقوله تعالى: (للسائل والمحروم)، قال ابن عباس رواية عائشة وابن المسيب
(٥٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 ... » »»