ومعه من كبراء الصحابة وأهل بدر من قد علم مكانهم، وكان محقا في قتاله لهم لم يخالف فيه أحد إلا الفئة الباغية التي قابلته وأتباعها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: " تقتلك الفئة الباغية "، وهذا خبر مقبول من طريق التواتر، حتى إن معاوية لم يقدر على جحده لما قال له عبد الله بن عمر، فقال: إنما قتله من جاء به فطرحه بين أسنتنا، رواه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الحجاز وأهل الشام، وهو علم من أعلام النبوة، لأنه خبر عن غيب لا يعلم إلا من جهة علام الغيوب وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في إيجاب قتال الخوارج وقتلهم أخبار كثيرة متواترة، منها حديث أنس وأبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة قوم يحسنون القول ويسيئون العمل يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يرجعون حتى يرتد على فوقه هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قتلهم كان أولى بالله منهم "، قالوا:
يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: " التحليق ". وروى الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال: سمعت عليا يقول: إذا حدثتكم بشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر من السماء فتخطفني الطير أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيننا فإن الحرب خدعة، وإني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: " يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإن لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة ". ولم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب قتال الفئة الباغية بالسيف إذا لم يردعها غيره، ألا ترى أنهم كلهم رأوا قتال الخوارج ولو لم يروا قتال الخوارج وقعدوا عنهم لقتلوهم وسبوا ذراريهم ونساءهم واصطلموهم؟.
فإن قيل: قد جلس عن علي جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم سعد ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وابن عمر. قيل له: لم يقعدوا عنه لأنهم لم يروا قتال الفئة الباغية، وجائز أن يكون قعودهم عنه لأنهم رأوا الإمام مكتفيا بمن معه مستغنيا عنهم بأصحابه، فاستجازوا القعود عنه لذلك، ألا ترى أنهم قد قعدوا عن قتال الخوارج لا على أنهم لم يروا قتالهم واجبا لكنه لما وجدوا من كفاهم قتل الخوارج استغنوا عن مباشرة قتالهم؟.
فإن احتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ستكون فتنة القائم فيها خير من الماشي والقاعد فيها خير من القائم ". قيل له: إنما أراد به الفتنة التي يقتتل الناس فيها على طلب الدنيا وعلى جهة العصبية والحمية من غير قتال مع إمام تجب طاعته، فأما إذا ثبت أن إحدى الفئتين باغية والأخرى عادلة مع الإمام فإن قتال الباغية واجب مع الإمام ومع من قاتلهم محتسبا في قتالهم.