أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٣٩
لا يغني من الحق شيئا) [النجم: 28]، وقال: (وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا) [الفتح: 12]، فالظن على أربعة أضرب: محظور ومأمور به ومندوب إليه ومباح. فأما الظن المحظور فهو سوء الظن بالله تعالى. حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا معاذ بن المثنى ومحمد بن محمد بن حيان التمار قالا: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث يقول:
" لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال:
حدثنا أبو سعيد يحيى بن منصور الهروي قال: حدثنا سويد بن نصر قال: حدثنا ابن المبارك عن هشام بن الغازي عن حبان بن أبي النصر قال: سمعت وائلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ". وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن واسع عن شتير - يعني ابن نهار - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" حسن الظن من العبادة "، وهو مرفوع في حديث نصر بن علي غير مرفوع في حديث موسى بن إسماعيل. فحسن الظن بالله فرض وسوء الظن به محظور منهي، عنه وكذلك سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة محظور مزجور عنه، وهو من الظن المحظور المنهي عنه. وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن صفية قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته وقمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني - وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد - فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " على رسلكما إنها صفية بنت حيي " قالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: " إن الشيطان يجري من الانسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا - أو قال: سوءا ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا معاذ بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ". فهذا من الظن المحظور، وهو ظنه بالمسلم سوءا من غير سبب يوجبه. وكل ظن فيما له سبيل إلى معرفته مما تعبد بعلمه فهو محظور، لأنه لما كان متعبدا تعبد بعلمه ونصب له الدليل عليه فلم يتبع الدليل وحصل على الظن كان تاركا للمأمور به، وأما ما لم ينصب له عليه دليل يوصله إلى العلم به وقد تعبد بتنفيذ الحكم فيه فالاقتصار على غالب الظن وإجراء الحكم عليه واجب، وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول شهادة العدول وتحري القبلة وتقويم المستهلكات وأروش الجنايات التي لم يرد بمقاديرها توقيف، فهذه وما كان من نظائرها
(٥٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 544 ... » »»