أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٣٧
تعالى: (فأصلحوا بين أخويكم) يدل على أن من رجا صلاح ما بين متعاديين من المؤمنين أن عليه الإصلاح بينهما.
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم)، نهى الله بهذه الآية عن عيب من لا يستحق أن يعاب على وجه الاحتقار له، لأن ذلك هو معنى السخرية، وأخبر أنه وإن كان أرفع حالا منه في الدنيا فعسى أن يكون المسخور منه خيرا عند الله.
وقوله تعالى: (ولا تلمزوا أنفسكم)، روي عن ابن عباس وقتادة: " لا يطعن بعضكم على بعض ". قال أبو بكر: هو كقوله: (ولا تقتلوا أنفسكم) [النساء: 29] لأن المؤمنين كنفس واحدة فكأنه بقتله أخاه قاتل نفسه، وكقوله: (فسلموا على أنفسكم) [النور: 61] يعني يسلم بعضكم على بعض. واللمز العيب، يقال: لمزه، إذا عابه وطعن عليه، قال الله تعالى: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) [التوبة: 58]. قال زياد الأعجم:
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة * وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه ما كنت أخشى وإن كان الزمان به * حيف على الناس أن يغتابني عنزه وإنما نهى بذلك عن عيب من لا يستحق وليس بمعيب، فإن من كان معيبا فاجرا فعيبه بما فيه جائز. وروي أنه لما مات الحجاج قال الحسن: " اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته فإنه أتانا أخيفش أعيمش يمد بيد قصيرة البنان والله ما عرق فيها عنان في سبيل الله، يرجل جمته ويخطر في مشيته ويصعد المنبر فيهذر حتى تفوته الصلاة، لا من الله يتقي ولا من الناس يستحي، فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون لا يقول له قائل الصلاة أيها الرجل " ثم قال الحسن: " هيهات والله حال دون ذلك السيف والسوط ".
وقوله تعالى: (ولا تنابزوا بالألقاب)، روى حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن: أن أبا ذر كان عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان بينه وبين رجل منازعة، فقال له أبو ذر: يا ابن اليهودية! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما ترى ما ههنا ما شيء أحمر ولا أسود وما أنت أفضل منه إلا بالتقوى! " قال: ونزلت هذه الآية: (ولا تنابزوا بالألقاب). وقال قتادة في قوله تعالى:
(ولا تنابزوا بالألقاب) قال: " لا تقل لأخيك المسلم يا فاسق يا منافق ". حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال:
" كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال له يا يهودي يا نصراني، فنهوا عن ذلك ". حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب عن داود عن عامر قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال: فينا نزلت هذه الآية في بني
(٥٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 ... » »»