باب الحكم في أسرى أهل البغي وجرحاهم روى كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: " لا يجهز على جريحها و لا يقتل أسيرها و لا يطلب هاربها ". وروى عطاء بن السائب عن أبي البختري وعامر قالا: لما ظهر علي رضي الله عنه على أهل الجمل قال: " لا تتبعوا مدبرا ولا تذففوا على جريح "، وروى شريك عن السدي عن عبد خير قال: قال علي رضي الله عنه يوم الجمل: " لا تقتلوا أسيرا ولا تجهزوا على جريح ومن ألقى السلاح فهو آمن ".
قال أبو بكر: هذا حكم علي رضي الله عنه في البغاة، ولا نعلم له مخالفا من السلف.
وقال أصحابنا: " إذا لم تبق لأهل البغي فئة فإنه لا يجهز على جريح ولا يقتل أسير ولا يتبع مدبر، فإذا كانت لهم فئة فإنه يقتل الأسير إن رأى ذلك الإمام ويجهز على الجريح ويتبع المدبر ". وقول علي رضي الله عنه محمول على أنه لم تبق لهم فئة، لأن هذا القول إنما كان منه في أهل الجمل ولم تبق لهم فئة بعد الهزيمة، والدليل عليه أنه أسر ابن بثرى والحرب قائمة فقتله يوم الجمل، فدل ذلك على أن مراده في الأخبار الأول إذا لم تبق لهم فئة.
باب في قضايا البغاة قال أبو يوسف في البرمكي: " لا ينبغي لقاضي الجماعة أن يجيز كتاب قاضي أهل البغي ولا شهادته ولا حكمه ". قال أبو بكر: وكذلك قال محمد، وقال: " لو أن الخوارج ولوا قاضيا منهم فحكم ثم رفع إلى حاكم أهل العدل لم يمضه إلا أن يوافق رأيه فيستأنف القضاء فيه " قال: " ولو ولوا قاضيا من أهل العدل بقضية أنفذها من رفعت إليه كما يمضى قضاء أهل العدل ". وقال مالك فيما حكم به أهل البغي: " تكشف أحكامهم فما كان منها مستقيما أمضي ". وقال الشافعي: " إذا غلب الخوارج على مدينة فأخذوا صدقات أهلها وأقاموا عليهم الحدود لم تعد عليهم ولا يرد من قضاء قاضيهم إلا ما يرد من قضاء قاضي غيرهم، وإن كان غير مأمون برأيه على استحلال دم أو مال لم ينفذ حكمه ولم يقبل كتابه ".
قال أبو بكر: إذا قاتلوا وظهر بغيهم على أهل العدل فقد وجب قتلهم وقتالهم، فغير جائز قبول شهادة من هذه سبيله لأن إظهار البغي وقتالهم لأهل العدل هو فسق من جهة الفعل وظهور الفسق من جهة الفعل يمنع قبول الشهادة كشارب الخمر والزاني