والسارق. فإن قيل: فأنت تقبل شهادتهم فهلا أمضيت أحكامهم! قيل له: قد قال محمد بن الحسن: " إنهم إنما تقبل شهادتهم ما لم يقاتلوا ولم يخرجوا على أهل العدل فأما إذا قاتلوا فإني لا أقبل شهادتهم "، فقد سوى بين القضاء وبين الشهادة ولم يذكر في ذلك خلافا بين أصحابنا، وهذا سديد، والعلة فيه ما ذكرنا.
فإن قيل: فقد قالوا إن الخوارج إذا ظهروا وأخذوا صدقات المواشي والثمار أنه لا يعاد على أربابها، فجعلوا أخذهم بمنزلة أخذ أهل العدل. قيل له: إن الزكاة لا تسقط عنهم بأخذ هؤلاء، لأنهم قالوا إن على أرباب الأموال إعادتها فيما بينهم وبين الله تعالى، وإنما أسقطوا به حق الإمام في الأخذ لأن حق الإمام إنما يثبت في الأخذ لأجل حمايته أهل العدل، فإذا لم يحمهم من البغاة لم يثبت حقه في الأخذ وكان ما أخذه البغاة بمنزلة أخذه في باب سقوط حقه في الأخذ، ألا ترى أن أصحابنا قالوا لو مر رجل من أهل العدل على عاشر أهل البغي بمال فعشره أنه لا يحتسب له الإمام بذلك ويأخذ منه العشر إذا مر به على عاشر أهل العدل؟ فعلمت أن المعنى في سقوط حق الإمام في الأخذ لا على معنى أنهم جعلوا حكمهم كأحكام أهل العدل، وإنما أجازوا قضاء قاضي البغاة إذا كان القاضي من أهل العدل من قبل أن الذي يحتاج إليه في صحة نفاذ القضاء هو أن يكون القاضي عدلا في نفسه ويمكنه تنفيذ قضائه وحمل الناس عليه بيد قوية سواء كان المولى له عدلا أو باغيا، ألا ترى أنه لو لم يكن ببلد سلطان فاتفق أهله على أن ولوا رجلا منهم القضاء كان جائزا وكانت أحكامه نافذة عليهم؟ فكذلك الذي ولاه البغاة القضاء إذا كان هو في نفسه عدلا نفذت أحكامه.
ويحتج من يجيز مجاوزة الحد بالتعزير بقوله تعالى: (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) فأمر بقتالهم إلى أن يرجعوا إلى الحق، فدل على أن التعزير يجب إلى أن يعلم إقلاعه عنه وتوبته، إذ كان التعزير للزجر والردع وليس له مقدار معلوم في العادة، كما أن قتال البغاة لما كان للردع وجب فعله أن يرتدعوا وينزجروا.
قال أبو بكر: إنما اقتصر من لم يبلغ بالتعزير الحد على ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين ".
وقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) يعني أنهم إخوة في الدين، كقوله تعالى: (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) [الأحزاب:
5]، وفي ذلك دليل على جواز إطلاق لفظ الأخوة بين المؤمنين من جهة الدين. وقوله