الكفر، لأن الصغار لا يجوز أن يكونوا كفارا في الحقيقة ولا يستحقون القتل ولا العقوبة لفعل آبائهم في باب سقوط الدية والكفارة. وأما احتجاج من يحتج بقوله: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) الآية، في منع رمي الكفار لأجل من فيهم من المسلمين، فإن الآية لا دلالة فيها على موضع الخلاف، وذلك لأن أكثر ما فيها أن الله كف المسلمين عنهم لأنه كان فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو دخلوا مكة بالسيف أن يصيبوهم، وذلك إنما يدل على إباحة ترك رميهم والإقدام عليهم، فلا دلالة على حظر الإقدام عليهم مع العلم بأن فيهم مسلمين، لأنه جائز أن يبيح الكف عنهم لأجل المسلمين وجائز أيضا إباحة الإقدام على وجه التخيير، فإذا لا دلالة فيها على حظر الإقدام.
فإن قيل: في فحوى الآية ما يدل على الحضر، وهو قوله: (لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم) فلولا الحضر ما أصابتهم معرة من قتلهم بإصابتهم إياهم. قيل له: قد اختلف أهل التأويل في معنى المعرة ههنا، فروي عن ابن إسحاق أنه غرم الدية، وقال غيره: الكفارة، وقال غيرهما: الغم باتفاق قتل المسلم على يده، لأن المؤمن يغتم لذلك وإن لم يقصده، وقال آخرون: العيب. وحكي عن بعضهم أنه قال:
" المعرة الإثم "، وهذا باطل، لأنه تعالى قد أخبر أن ذلك لو وقع كان بغير علم منا لقوله تعالى: (لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم)، ولا مأثم عليه فيما لم يعلمه، ولم يضع الله عليه دليلا، قال الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) [الأحزاب: 5]، فعلمنا أنه لم يرد المأثم. ويحتمل أن يكون ذلك كان خاصا في أهل مكة لحرمة الحرم، ألا ترى أن المستحق للقتل إذ لجأ إليها لم يقتل عندنا، وكذلك الكافر الحربي إذا لجأ إلى الحرم لم يقتل، وإنما يقتل من انتهك حرمة الحرم بالجناية فيه، فمنع المسلمين من الإقدام عليهم خصوصية لحرمة الحرم.
ويحتمل أن يريد: ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات قد علم أنهم سيكونون من أولاد هؤلاء الكفار إذا لم يقتلوا، فمنعنا قتلهم لما في معلومه من حدوث أولادهم مسلمين، وإذا كان في علم الله أنه إذا أبقاهم كان لهم أولاد مسلمون أبقاهم ولم يأمر بقتلهم، وقوله: (لو تزيلوا) على هذا التأويل، لو كان هؤلاء المؤمنون الذين في أصلابهم قد ولدوهم وزايلوهم لقد كان أمر بقتلهم، وإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الإقدام على الكفار مع العلم بكون المسلمين بين أظهرهم وجب جواز مثله إذا تترسوا بالمسلمين، لأن القصد في الحالين رمى المشركين دونهم ومن أصيب منهم فلا دية فيه ولا كفارة، كما أن من أصيب برمي حصون الكفار من المسلمين الذين في الحصن لم تكن فيه دية