أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٢٤
هذه الآية: " والله لقد كانوا يتبايعون في الأسواق، فإذا حضر حق من حقوق الله بدأوا بحق الله حتى يقضوه ثم عادوا إلى تجارتهم ". وعن عطاء قال: " شهود الصلاة المكتوبة ". وقال مجاهد: (عن ذكر الله) قال: " عن مواقيت الصلاة ". ورأى ابن مسعود أقواما يتجرون، فلما حضرت الصلاة قاموا إليها، قال: " هذا من الذين قال الله تعالى فيهم: (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) ".
وقوله تعالى: (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض)، فإن التسبيح هو التنزيه لله تعالى عما لا يجوز عليه من الصفات، فجميع ما خلقه الله منزه له من جهة الدلالة عليه، والعقلاء المطيعون ينزهونه من جهة الاعتقاد والوصف له بما يليق به وتنزيهه عما لا يجوز عليه.
وقوله تعالى: (كل قد علم صلاته وتسبيحه) يعني: صلاة من يصلي منهم فالله يعلمها. وقال مجاهد: " الصلاة للإنسان والتسبيح لكل شيء ".
وقوله تعالى: (وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء). قيل: إن " من " الأولى لابتداء الغاية، لأن ابتداء الإنزال من السماء، والثانية للتبعيض، لأن البرد بعض الجبال التي في السماء، والثالثة لتبيين الجنس إذ كان جنس تلك الجبال جنس البرد.
وقوله تعالى: (والله خلق كل دابة من ماء) قيل: إن أصل الخلق من ماء، ثم قلب إلى النار فخلق منه الجن، ثم إلى الريح فخلقت الملائكة منها، ثم إلى الطين فخلق آدم منه، وذكر الذي يمشي على رجلين والذي يمشي على أربع ولم يذكر ما يمشي على أكثر من أربع لأنه كالذي يمشي على أربع في رأي العين، فترك ذكره لأن العبرة تكفي بذكر الأربع.
باب لزوم الإجابة لمن دعي إلى الحاكم قال الله تعالى: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون).
وهذا يدل على أن من ادعى على غيره حقا ودعاه إلى الحاكم فعليه إجابته والمصير معه إليه، لأن قوله تعالى: (وإذا دعوا إلى الله) معناه: إلى حكم الله. ويدل على أن من أتى الحاكم فادعى على غيره حقا أن على الحاكم أن يعديه ويحضره ويحول بينه وبين تصرفه وأشغاله. وقد حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إبراهيم الحربي قال: حدثنا عبد الله بن شبيب قال: حدثنا أبو بكر بن شيبة قال: حدثنا فليح قال: حدثني محمد بن
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»