أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤١٣
باب الترغيب في النكاح قال الله عز وجل: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) الآية. قال أبو بكر: ظاهره يقتضي الإيجاب، إلا أنه قد قامت الدلالة من إجماع السلف وفقهاء الأمصار على أنه لم يرد بها الإيجاب وإنما هو استحباب، ولو كان ذلك واجبا لورد النقل بفعله من النبي صلى الله عليه وسلم ومن السلف مستفيضا شائعا لعموم الحاجة إليه، فلما وجدنا عصر النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأعصار بعده قد كان في الناس أيامى من الرجال والنساء فلم ينكر واترك تزويجهم ثبت أنه لم يرد الإيجاب. ويدل على أنه لم يرد الإيجاب أن الأيم الثيب لو أبت التزويج لم يكن للولي إجبارها عليه ولا تزويجها بغير أمرها. وأيضا مما يدل على أنه على الندب اتفاق الجميع على أنه لا يجبر على تزويج عبده وأمته، وهو معطوف على الأيامى، فدل على أنه مندوب في الجميع، ولكن دلالة الآية واضحة في وقوع العقد الموقوف إذ لم يخصص بذلك الأولياء دون غيرهم وكل أحد من الناس مندوب إلى تزويج الأيامى المحتاجين إلى النكاح، فإن تقدم من المعقود عليهم أمر فهو نافذ، وكذلك إن كانوا ممن يجوز عقدهم عليهم مثل المجنون والصغير فهو نافذ أيضا وإن لم يكن لهم ولاية ولا أمر فعقدهم موقوف على إجازة من يملك ذلك العقد، فقد اقتضت الآية جواز النكاح على إجازة من يملكها.
فإن قيل: هذا يدل على أن عقد النكاح إنما يليه الأولياء دون النساء وأن عقودهن على أنفسهن غير جائزة. قيل له: ليس كذلك، لأن الآية لم تخص الأولياء بهذا الأمر دون غيرهم، وعمومه يقتضي ترغيب سائر الناس في العقد على الأيامى، ألا ترى أن اسم الأيامى ينتظم الرجال والنساء؟ وهو في الرجال لم يرد به الأولياء دون غيرهم، كذلك في النساء.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار كثيرة في الترغيب في النكاح، منها ما رواه ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ثلاثة حق على الله عونهم:
المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف ". وروى إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ". وقال: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ". وعن شداد بن أوس أنه قال لأهله: زوجوني فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن لا ألقى الله أعزب. وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا خلاد عن سفيان عن عبد الرحمن بن
(٤١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 ... » »»