قال أبو بكر: حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا أبو بدر قال: حدثنا سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم ". ومن جهة النظر أن الأداء لما كان مشروطا في العتق وجب أن لا يعتق إلا بأداء الجميع، كالعتق المعلق على شرط لا يقع إلا بوجود كمال الشرط، ألا ترى أنه إذا قال: " إذا كلمت فلانا وفلانا فأنت حر " أن العتق لا يقع إلا بكلامهما؟ ويدل عليه أنه لما كان مال الكتابة بدلا من العتق لم يخل ذلك من أحد وجهين: إما أن يوقع العتق بنفس العقد، وذلك خلاف السنة والنظر على ما بينا، أو أن يوقعه بعد الأداء فيكون بمنزلة البياعات التي لا يستحق تسليمها إلا بأداء جميع الثمن، فثبت حين لم يقع بالعقد أنه لا يقع إلا بأداء الجميع.
واختلفوا في المكاتب إذا مات وترك وفاء، فقال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن الزبير: " تؤدى كتابته بعد موته ويعتق "، وهو قول أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد وابن أبي ليلى وابن شبرمة وعثمان البتي والثوري والحسن ابن صالح، وقالوا:
" إن فضل شيء فهو ميراث لورثته فإن لم يترك وفاء وترك ولدا ولدوا في كتابته سعوا فيما على أبيهم من النجوم ". وقال مالك والليث: " إن ترك ولدا قد دخلوا في كتابته سعوا فيها على النجوم وعتق المكاتب وولده، وإن لم يترك من دخل في كتابته فقد مات عبدا لا تؤدى كتابته من ماله وجميع ماله للمولى ". وقال الشافعي: " إذا مات وقد بقي عليه درهم فقد مات عبدا لا يلحقه عتق بعد ذلك ". وروي عن ابن عمر: " أن جميع ماله لسيده ولا تؤدى منه كتابته ".
قال أبو بكر: لا تخلوا الكتابة من أن تكون في معنى الأيمان المعقودة على شروط يبطلها موت المولى أو العبد أيهما كان، مثل أن يقول: " إن دخلت الدار فأنت حر " ثم يموت المولى أو العبد فيبطل اليمين ولا يعتق بالشرط، أو أن تكون في معنى عقود البياعات التي لا تبطلها الشروط، فلما كان موت المولى لا يبطل الكتابة ويعتق بالأداء إلى الورثة وجب أن لا يبطله موت العبد أيضا ما دام الأداء ممكنا، وهو أن يترك وفاء فتؤدى كتابته من ماله ويحكم بعتقه قبل الموت بلا فصل.
فإن قيل: لا يصح عتق الميت وقد علمنا أنه مات عبدا، لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. قيل له: إذا مات وترك وفاء فحكمه موقوف مراعى، فإن أديت كتابته حكمنا بأنه كان حرا قبل الموت بلا فصل، كما أن الميت لا يصح منه إيقاع عتق بعد الموت ثم إذا مات المولى فأدى المكاتب الكتابة حكمنا بعتق موقع من جهة الميت ويكون الولاء له، وليس يمتنع في الأصول نظائر ذلك من كون الشيء مراعى على معنى