أنها ليست بواجبة علينا، إلا أن الأخبار لو تعارضت لكانت الأخبار المقتضية للإيجاب أولى بالاستعمال من وجهين، أحدهما: أن الإيجاب طارىء على إباحة الترك، والثاني:
أن فيه حظر الترك وفي نفيه إباحة الترك والحضر أولى من الإباحة.
ومما يحتج به في نفي الوجوب ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثني سعيد بن أيوب قال:
حدثني عياش القتباني عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله لهذه الأمة " فقال رجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها؟ قال: " لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك وتحلق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل ". فلما جعل هذه الأشياء بمنزلة الأضحية دل على أن الأضحية غير واجبة، إذ كان فعل هذه الأشياء غير واجب وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثني إبراهيم بن موسى الرازي قال:
حدثنا عيسى قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عياش عن جابر بن عبد الله قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر كبشين أقرنين أملحين موجئين، فلما وجههما قال: " إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، باسم الله والله أكبر "، ثم ذبح. قالوا: ففي ذبحه عن الأمة دلالة على أنها غير واجبة، لأنها لو كانت واجبة لم تجز شاة عن جميع الأمة. قال أبو بكر: وهذا لا ينفي الوجوب، لأنه تطوع بذلك، وجائز أن يتطوع عمن قد وجب عليه كما يتطوع الرجل عن نفسه ولا يسقط ذلك عنه وجوب ما يلزمه.
ومما يحتج من نفي الوجوب ما قدمنا روايته عن السلف من نفي إيجابه، وفيه الدلالة من وجهين على ذلك، أحدهما: أنه لم يظهر من أحد من نظرائهم من السلف خلافه، وقد استفاض عمن ذكرنا قولهم من السلف نفي إيجابه. والثاني: أنه لو كان واجبا مع عموم الحاجة إليه لوجب أن يكون من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف لأصحابه على وجوبه، ولو كان كذلك لورد النقل به مستفيضا متواترا وكان لا أقل من أن يكون وروده في وزن ورود إيجاب صدقة الفطر لعموم الحاجة إليه، وفي عدم النقل المستفيض فيه دلالة على نفي الوجوب. ويحتج فيه بأنه لو كان واجبا وهو حق في مال لما اختلف حكم المقيم والمسافر فيه كصدقة الفطر، فلما لم يوجبه أبو حنيفة على المسافر دل على أنه غير واجب. ويحتج فيه أيضا بأنه لو كان واجبا وهو حق في مال لما أسقطه مضي الوقت،