ومن الناس من يحتج في أن الزنا لا يبطل النكاح بما روى هارون بن رئاب عن عبيد الله بن عبيد - ويرويه عبد الكريم الجزري عن أبي الزبير، وكلاهما يرسله - أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن امرأتي لا تمنع يد لامس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمتاع منها، فيحمل ذلك على أنها لا تمنع أحد ممن يريدها على الزنا. وقد أنكر أهل العلم هذا التأويل، قالوا: لو صح هذا الحديث كان معناه أن الرجل وصف امرأته بالخرق وضعف الرأي وتضييع ماله فهي لا تمنعه من طالب ولا تحفظه من سارق، قالوا وهذا أولى، لأنه حقيقة اللفظ، وحمله على الوطء كناية ومجاز، وحمله على ما ذكرنا أولى وأشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما قال علي وعبد الله: إذا جاءكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهنا والذي هو أتقى.
فإن قيل: قال الله تعالى: (أو لمستم (1) النساء) [النساء: 43] فجعل الجماع لمسا. قيل له: إن الرجل لم يقل للنبي صلى الله عليه وسلم إنها لا تمنع لامسا، وإنما قال يد لامس، ولم يقل فرج لامس، وقال الله تعالى: (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم) [الأنعام: 7]، ومعلوم أن المراد حقيقة اللمس باليد، وقال جريج الخطفي يعاتب قوما:
* ألستم لئاما إذ ترومون جارهم * ولولا همو لم تمنعوا (2) كف لامس ومعلوم أنه لم يرد به الوطء وإنما أراد أنكم لا تدفعون عن أنفسكم الضيم ومنع أموالكم هؤلاء القوم، فكيف ترومون جارهم بالظلم!.
ومن الناس من يقول إن تزويج الزانية وإمساكها على النكاح محظور منهي عنه ما دامت مقيمة على الزنا وإن لم يؤثر ذلك في إفساد النكاح، لأن الله تعالى إنما أباح نكاح المحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب بقوله: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] يعني العفائف منهن، ولأنها إذا كانت كذلك لا يؤمن أن تأتي بولد من الزنا فتلحقه به وتورثه ماله، وإنما يحمل قول من رخص في ذلك على أنها تائبة غير مقيمة على الزنا. ومن الدليل على أن زناها لا يوجب الفرقة أن الله تعالى حكم في القاذف لزوجته باللعان ثم بالتفريق بينهما، فلو كان وجود الزنا منها يوجب الفرقة لوجب إيقاع الفرقة بقذفه إياها لاعترافه بما يوجب الفرقة، ألا ترى أنه لو أقر أنها أخته من الرضاعة أو أن أباه قد كان وطئها لوقعت الفرقة بهذا القول.