أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٣١
الجملة المذكورة لحفظ الفروج وإخبار عن إباحة وطء الزوجة وملك اليمين، فاقتضت الآية حظر ما عدا هذين الصنفين في الزوجات وملك الأيمان، ودل بذلك على إباحة وطء الزوجات وملك اليمين لعموم اللفظ فيهن.
فإن قيل: لو كان ذلك عموما في إباحة وطئهن لوجب أن يجوز وطؤهن في حال الحيض ووطء الأمة ذات الزوجة والمعتدة من وطء بشبهة ونحو ذلك. قيل له: قد اقتضى عموم اللفظ إباحة وطئهن في سائر الأحوال، إلا أن الدلالة قد قامت على تخصيص من ذكرت كسائر العموم إذا خص منه شيء لم يمنع ذلك بقاء حكم العموم فيما لم يخص، وملك اليمين متى أطلق عقل به الأمة والعبد المملوكان، ولا يكاد يطلق ملك اليمين في غير بني آدم، لا يقال للدار والدابة ملك اليمين، وذلك لأن ملك العبد والأمة أخص من ملك غيرهما، ألا ترى أنه يملك التصرف في الدار بالنقض والبناء ولا يملك ذلك في بني آدم ويجوز عارية الدار وغيرها من العروض ولا يجوز عارية الفروج؟. قوله تعالى: (والذين هم على صلواتهم يحافظون) روي عن جماعة من السلف في قوله تعالى، (يحافظون) قالوا: " فعلها في الوقت ". وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس التفريط في النوم إنما التفريط أن يترك الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى ". وقال مسروق:
" الحفاظ على الصلاة فعلها لوقتها ". وقال إبراهيم النخعي: " يحافظون دائمون ". وقال قتادة: " يحافظون على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها ". قال أبو بكر: المحافظة عليها مراعاتها للتأدية في وقتها على استكمال شرائطها، وجميع المعاني التي تأول عليها السلف المحافظة هي مرادة بالآية، وأعاد ذكر الصلاة لأنه مأمور بالمحافظة عليها كما هو مأمور بالخشوع فيها.
قوله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) الآية. روى وكيع عن مالك بن مغول عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أهو الرجل يشرب الخمر ويسرق؟ قال: " لا يا عائشة ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه ". وروى جرير عن ليث عمن حدثه عن عائشة وعن ابن عمر، (يؤتون ما آتوا) قال: " الزكاة ". ويروى عن الحسن قال: لقد أدركت أقواما كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها.
قوله تعالى: (أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) الخيرات هنا الطاعات يسارع إليها أهل الإيمان بالله ويجتهدون في السبق إليها رغبة فيها وعلما بما لهم بها من حسن الجزاء، وقوله: (وهم لها سابقون) قال ابن عباس: " سبقت لهم
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»