أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٩٠
والليلة فأشبهتا صلاتي عرفة والمزدلفة، فلما لم يجز اسقاط الترتيب فيهما وجب أن يكون ذلك حكم الفوائت فيما دون اليوم والليلة، وقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إني ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالإعادة، فيه الدلالة على أن من صلى العصر عند غروب الشمس فلا إعادة عليه.
قوله تعالى: (وألقيت عليك محبة مني). يعني أني جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون فسلمت من شره وأحبتك امرأته آسية بنت مزاحم فتبنتك.
قوله تعالى: (ولتصنع على عيني). قال قتادة: " لتغذى على محبتي وإرادتي ".
قوله تعالى: (وفتناك فتونا). قال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس عن قوله تعالى:
(وفتناك فتونا) فقال: " استأنف لها نهارا يا ابن جبير "، ثم ذكر في معناه وقوعه في محنة بعد محنة خلصه الله منها، أولها إنها حملته في السنة التي كان فرعون يذبح الأطفال، ثم إلقاؤه في اليم، ثم منعه الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم جره لحية فرعون حتى هم بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة فدرأ ذلك عنه قتل فرعون، ثم مجئ رجل من شيعته يسعى ليخبره عما عزموا عليه من قتله. وقال مجاهد في قوله تعالى: (وفتناك فتونا) معناه:
خلصناك خلاصا.
وقوله تعالى: (واصطنعتك لنفسي)، فإن الاصطناع الإخلاص بالألطاف.
ومعنى: (لنفسي) لتصرف على إرادتي ومحبتي.
قوله تعالى: (وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها). قيل في وجه سؤال موسى عليه السلام عما في يده أنه على وجه التقرير له على أن الذي في يده عصا ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها والتأمل لها، فإذا أجاب موسى بأنها عصا يتوكأ عليها عند الإعياء وينفض بها الورق لغنمه وأن له فيها منافع أخرى فيها، ومعلوم أنه لم يرد بذلك إعلام الله تعالى ذلك لأن الله تعالى كان أعلم بذلك منه، ولكنه لما اقتضى السؤال منه جوابا لم يكن له بد من الإجابة بذكر منافع العصا إقرارا منه بالنعمة فيها واعتدادا بمنافعها والتزاما لما يجب عليه من الشكر له. ومن أهل الجهل من يسأل عن ذلك فيقول: إنما قال الله له: (وما تلك بيمينك يا موسى) فإنما وقعت المسألة عن ماهيتها ولم تقع عن منافعها وما تصلح له، فلم أجاب عما لم يسأل منه؟ ووجه ذلك ما قدمنا وهو أنه أجاب عن المسألة بديا بقوله: هي عصاي، ثم أخبر عما جعل الله تعالى له من المنافع فيها على وجه الاعتراف بالنعمة وإظهار الشكر على ما منحه الله منها، وكذلك سبيل أنبياء الله تعالى والمؤمنين عند مثله في الاعتداد بالنعمة ونشرها وإظهار الشكر عليها، وقال الله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) [الضحى: 11].
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»