أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٨٩
فإذا فات الوقت لم يعد ". وقال الثوري بوجوب الترتيب، إلا أنه لم يرو عنه الفرق بين القليل والكثير، لأنه سئل عمن صلى ركعة من العصر ثم ذكر أنه صلى الظهر على غير وضوء أنه يشفع بركعة ثم يسلم فيستقبل الظهر ثم العصر. وروي عن الأوزاعي روايتان في إحداهما اسقاط الترتيب وفي الأخرى إيجابه. وقال الليث: " إذا ذكرها وهو في صلاة وقد صلى ركعة فإن كان مع إمام فليصل معه حتى إذا سلم صلى التي نسي ثم أعاد الصلاة التي صلاها معه ". وقال الحسن بن صالح: " إذا صلى صلوات بغير وضوء أو نام عنهن قضى الأولى فالأولى، فإن جاء وقت صلاة تركها وصلى ما قبلها وإن فاته وقتها حتى يبلغها ". وقال الشافعي " " الاختيار أن يبدأ بالفائتة فإن لم يفعل وبدأ بصلاة الوقت أجزأه ولا فرق بين القليل والكثير ". قال أبو بكر: وروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال: " من نسي صلاة وذكرها وهو خلف إمام فليصل مع الإمام، فإذا فرغ صلى التي نسي ثم يصلي الأخرى ". وروى عباد بن العوام عن هشام عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال:
" أقبلنا حتى دنونا من المدينة وقد غابت الشمس، وكان أهل المدينة يؤخرون المغرب، فرجوت أن أدرك معهم الصلاة، فأتيتهم وهم في صلاة العشاء فدخلت معهم وأنا أحسبها المغرب، فلما صلى الإمام قمت فصليت المغرب ثم صليت العشاء فلما أصبحت سألت عن الذي فعلت، فكلهم أخبروني بالذي صنعت وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بها يومئذ متوافرين ". وقال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بوجوب الترتيب. فهؤلاء السلف قد روي عنهم إيجاب الترتيب ولم يرو عن أحد من نظرائهم خلاف فصار ذلك إجماعا من السلف.
ويدل على وجوب الترتيب في الفوائت ما روى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول: يا رسول الله ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنا والله ما صليت بعد! " فنزل وتوضأ ثم صلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى المغرب بعد ما صلى العصر. وروي عنه صلى الله عليه وسلم: " أنه فاتته أربع صلوات حتى كان هوى من الليل، فصلى الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ". وهذا الخبر يدل من وجهين على وجوب الترتيب، أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي " فلما صلاهن على الترتيب اقتضى ذلك إيجابه. والوجه الآخر: أن فرض الصلاة مجمل من الكتاب، والترتيب وصف من أوصاف الصلاة، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب، فلما قضى الفوائت على الترتيب كان فعله ذلك بيانا للفرض المحمل، فوجب أن يكون على الوجوب. ويدل على وجوبه أيضا أنهما صلاتان فرضان قد جمعهما وقت واحد في اليوم
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»