والله لأغزون قريشا! " ثم سكت ساعة فقال: " إن شاء الله " فقد استثنى بعد السكوت. قيل له: رواه شريك عن سماك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والله لأغزون قريشا! " ثلاثا، ثم قال في آخرهن: " إن شاء الله " فأخبر أنه استثنى في آخرهن، وذلك يقتضي اتصاله باليمين، وهو أولى لما ذكرنا. وفي هذا الخبر دلالة أيضا على أنه إذا حلف بأيمان كثيرة ثم استثنى في آخرهن كان الاستثناء راجعا إلى الجميع.
واحتج ابن عباس ومن تابعه في إجازة الاستثناء متراخيا عن اليمين بقوله تعالى:
(ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت) فتأولوا قوله: (واذكر ربك إذا نسيت) على الاستثناء وهذا غير واجب، لأن قوله تعالى:
(واذكر ربك إذا نسيت) يصح أن يكون كلاما مبتدأ مستقلا بنفسه من غير تضمين له بما قبله، وغير جائز فيما كان هذا سبيله تضمينه بغيره. وقد روى ثابت عن عكرمة في قوله تعالى: (واذكر ربك إذا نسيت) قال: " إذا غضبت "، فثبت بذلك أنه إنما أراد الأمر بذكر الله تعالى وأن يفزع إليه عند السهو والغفلة، وقد روي في التفسير أن قوله تعالى:
(ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله): إنما نزل فيما سألت قريش عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين، فقال: " سأخبركم " فأبطأ عنه جبريل عليهما السلام أياما، ثم أتاه يخبرهم، وأمره الله تعالى بعد ذلك بأن لا يطلق القول على فعل يفعله في المستقبل إلا مقرونا بذكر مشيئة الله تعالى. وفي نحو ذلك ما روى هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال سليمان بن داود: والله لأطوفن الليلة على مائة امرأة فتلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فلم تلد منهن إلا واحدة ولدت نصف انسان ".
قوله تعالى: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا). روي عن قتادة أن هذا حكاية عن قول اليهود، لأنه قال: (قل الله أعلم بما لبثوا). وقال مجاهد والضحاك وعبيد بن عمير: " إنه إخبار من الله تعالى بأن هذا كانت مدة لبثهم، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل إن حاجك أهل الكتاب الله أعلم بما لبثوا ". وقيل فيه: " الله أعلم بما لبثوا إلى الوقت الذي نزل فيه القرآن بهذا ". وقيل: " قل الله أعلم بما لبثوا إلى أن ماتوا ". فأما قول قتادة فليس بظاهر، لأنه لا يجوز صرف أخبار الله إلى أنه حكاية عن غيره إلا بدليل، ولأنه يوجب أن يكون بيان مدة لبثهم غير مذكور في الكتاب، مع العلم بأن الله قد أراد منا الاعتبار والاستدلال به على عجيب قدرة الله تعالى ونفاذ مشيئته.
قوله تعالى: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله). قيل في (ما شاء الله) وجهان، أحدهما: " ما شاء الله كان " فحذف، كقوله تعالى: (فإن استطعت أن