أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه) وفي بعض الألفاظ: " فقد استثنى ". قال أبو بكر: ولم يفرق بين شيء من الأيمان، فهو على جميعها. وعن عبد الله بن مسعود من قوله مثله. وعن وعطاء وطاوس ومجاهد وإبراهيم قالوا: " الاستثناء في كل شيء ". وقد روى إسماعيل بن عياش عن حميد بن مالك اللخمي عن مكحول عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا قال الرجل لعبده أنت حر إن شاء الله فهو حر، وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فليست بطالق "، وهذا حديث شاذ واهي السند غير معمول عليه عند أهل العلم.
وقد اختلف أهل العلم بعد اتفاقهم على صحة الاستثناء في الوقت الذي يصح فيه الاستثناء على ثلاثة أنحاء، فقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية: " إذا استثنى بعد سنة صح استثناؤه ". وقال الحسن وطاوس: " يجوز الاستثناء ما دام في المجلس ". وقال إبراهيم وعطاء والشعبي: " لا يصح الاستثناء إلا موصولا بالكلام ".
وروي عن إبراهيم في الرجل يحلف ويستثني في نفسه قال: " لا، حتى يجهر بالاستثناء كما جهر بيمينه "، وهذا محمول عندنا على أنه لا يصدق في القضاء إذا ادعى أنه كان استثنى ولم يسمع منه وقد سمع منه اليمين. وقال أصحابنا وسائر الفقهاء: " لا يصح الاستثناء إلا موصولا بالكلام " وذلك لأن الاستثناء بمنزلة الشرط والشرط لا يصح ولا يثبت حكمه إلا موصولا بالكلام من غير فصل، مثل قوله: " أنت طالق إن دخلت الدار "، فلو قال: " أنت طالق "، ثم قال: " إن دخلت الدار " بعد ما سكت، لم يوجب ذلك تعلق الطلاق بالدخول، ولو جاز هذا لجاز أن يقول لامرأته: أنت طالق ثلاثا، ثم يقول بعد سنة: إن شاء الله، فيبطل الطلاق ولا تحتاج إلى زوج ثان في إباحتها للأول، وفي تحريم الله تعالى إياها عليه بالطلاق الثلاث إلا بعد زوج دلالة على بطلان الاستثناء بعد السكوت، ولما صح ذلك في الإيقاع في أنه لا يصح الاستثناء إلا موصولا بالكلام كان كذلك حكم اليمين. وأيضا قال الله تعالى في شأن أيوب حين حلف على امرأته أنه إن برأ ضربها، فأمره الله تعالى أن يأخذ بيده ضغثا ويضرب به ولا يحنث، ولو صح الاستثناء متراخيا عن اليمين لأمره بالاستثناء فيستغني به عن ضربها بالضغث وغيره. ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه "، ولو جاز الاستثناء متراخيا عن اليمين لأمره بالاستثناء واستغنى عن الكفارة.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني "، ولم يقل إلا قلت إن شاء الله.
فإن قيل: روى قيس عن سماك عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والله لأغزون قريشا!