أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٧٤
فصار إجماعا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ". وقوله تعالى: (ويزيدهم خشوعا) يعني به أن بكاءهم في حال السجود يزيدهم خشوعا إلى خشوعهم، وفيه الدلالة على أن مخافتهم لله تعالى حتى تؤديهم إلى البكاء داعية إلى طاعة الله وإخلاص العبادة على ما يجب من القيام بحقوق نعمه. والله الموفق.
باب الجهر بالقراءة في الصلاة والدعاء قال الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا). روي عن ابن عباس رواية وعائشة ومجاهد وعطاء: " لا تجهر بدعائك ولا تخافت به ". وروي عن ابن عباس أيضا وقتادة: " أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر ولا يسمع من خلفه إذا خافت وذلك بمكة، فأنزل الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك) وأراد به القراءة في الصلاة ". وقال الحسن: " لا تجهر بالصلاة بإشاعتها عند من يؤذيك ولا تخافت بها عند من يلتمسها "، فكان ذلك عند الحسن أنه أريد ترك الجهر في حال وترك المخافتة في أخرى. وقيل: " ولا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بجميعها وابتغ بين ذلك سبيلا بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار على ما أمرناك به ". وروي عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث قال: سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن أو يخافت؟ قالت: " ربما جهر وربما خافت ". وروى أبو خالد الوالبي عن أبي هريرة: " أنه كان إذا قام من الليل يخفض طورا ويرفع طورا وقال: هكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ". وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الناس في آخر رمضان فقال:
" إن المصلي إذا صلى يناجي ربه فليعلم أحدكم بما يناجيه لا يجهر بعضكم على بعض ".
وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقرآن قبل العشاء وبعدها يغلط أصحابه في الصلاة ". ورويت أخبار في الجهر بالقراءة في صلاة الليل، روى كريب عن ابن عباس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في بعض حجره فيسمع قراءته من كان خارجا ". وروى إبراهيم عن علقمة قال: " صليت مع عبد الله ليلة فكان يرفع صوته بالقراءة فيسمع أهل الدار ". وروي أن أبا بكر إذا صلى خفض صوته وأن عمر كان إذا صلى رفع صوته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: " لم تفعل هذا؟ " قال: أناجي ربي وقد علم حاجتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أحسنت! " وقال لعمر: " لم تفعل هذا؟ " فقال: أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان، فقال: " أحسنت! " فلما نزل: (ولا تجهر بصلاتك) الآية، قال لأبي بكر: " ارفع شيئا " وقال لعمر: " اخفض شيئا ". وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى فقال: " لقد أوتي أبو موسى
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»