قال: قرأت على مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ". وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا سليمان بن داود المهري قال: أخبرنا ابن وهب قال:
أخبرني جرير بن حازم عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شئ في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ".
وهذا الخبر في الحول وإن كان من أخبار الآحاد فإن الفقهاء قد تلقته بالقبول واستعملوه، فصار في حيز المتواتر الموجب للعلم، وقد روي عن ابن عباس في رجل ملك نصابا: " أنه يزكيه حين يستفيده " وقال أبو بكر وعلي وعمر وابن عمر وعائشة:
" لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول ". ولما اتفقوا على أنه لا زكاة عليه بعد الأداء حتى يحول عليه الحول علمنا أن وجوب الزكاة لم يتعلق بالملك دون الحول وأنه بهما جميعا يجب، وقد استعمل ابن عباس خبر الحول بعد الأداء، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينه قبل الأداء وبعده بل نفى إيجاب الزكاة في سائر الأموال نفيا عاما إلا بعد حول الحول، فوجب استعماله في كل نصاب قبل الأداء وبعده. ومع ذلك يحتمل أن لا يكون ابن عباس أراد إيجاب الأداء بوجود ملك النصاب، وأنه أراد جواز تعجيل الزكاة، لأنه ليس في الخبر ذكر الوجوب.
واختلف فيما زاد على المائتين من الورق، فروي عن علي وابن عمر فيما زاد على المائتين بحسابه، وهو قول أبي يوسف ومحمد ومالك والشافعي. وروي عن عمر أنه لا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما، وهو قول أبي حنيفة. ويحتج من اعتبر الزيادة أربعين بما روى عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم: " وليس فيما زاد على المائتي درهم شيء حتى يبلغ أربعين درهما " وحديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
" هاتوا زكاة الرقة من كل أربعين درهما درهما وليس فيما دون خمس أواق صدقة " فوجب استعمال قوله: " في كل أربعين درهما درهم " على أنه جعله مقدار الواجب فيه، كقوله صلى الله عليه وسلم: " وإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة شاة ". ويدل عليه من جهة النظر أن هذا مال له نصاب في الأصل فوجب أن يكون له عفو بعد النصاب كالسوائم، ولا يلزم أبا حنيفة ذلك في زكاة الثمار لأنه لا نصاب له في الأصل عنده، وأبو يوسف ومحمد لما