يتألفكما والإسلام يومئذ قليل، وإن الله قد أغنى الاسلام، اذهبا فاجهدا جهدكما لا يرعى الله عليكما إن رعيتما! ". قال أبو بكر رحمه الله: فترك أبي بكر الصديق رضي الله عنه النكير على عمر فيما فعله بعد إمضائه الحكم يدل على أنه عرف مذهب عمر فيه حين نبهه عليه، وأن سهم المؤلفة قلوبهم كان مقصورا على الحال التي كان عليها أهل الاسلام من قلة العدد وكثرة عدد الكفار، وأنه لم يرد الاجتهاد سائغا في ذلك لأنه لو سوغ الاجتهاد فيه لما أجاز فسخ الحكم الذي أمضاه، فلما أجاز له ذلك دل على أنه عرف بتنبيه عمر إياه على ذلك امتناع جواز الاجتهاد في مثله.
وروى إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر قال: " ليس اليوم مؤلفة قلوبهم ". وروى إسرائيل أيضا عن جابر بن عامر في المؤلفة قلوبهم قال: " كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخلف أبو بكر انقطع الرشا ". وروى ابن أبي زائدة عن مبارك عن الحسن قال:
" ليس مؤلفة قلوبهم، كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وروى معقل بن عبيد الله قال:
" سألت الزهري عن المؤلفة قلوبهم، قال: من أسلم من يهودي أو نصراني، قلت: وإن كان غنيا؟ قال: وإن كان غنيا ".
قوله تعالى: (وفي الرقاب)، فإن أهل العلم يختلفون فيه، فقال إبراهيم النخعي والشعبي وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين: " لا يجزي أن تعتق من الزكاة رقبة "، وهو قول أصحابنا والشافعي. وقال ابن عباس: " أعتق من زكاتك ". وكان سعيد بن جبير لا يعتق من الزكاة مخافة جر الولاء. وقال في الرقاب: " إنها رقاب يبتاعون من الزكاة ويعتقون فيكون ولاؤهم لجماعة المسلمين دون المعتقين ". قال مالك والأوزاعي:
" لا يعطى المكاتب من الزكاة شيئا ولا عبدا موسرا كان مولاه أو معسرا، ولا يعطون من الكفارات أيضا "، قال مالك: " لا يعتق من الزكاة إلا رقبة مؤمنة ".
قال أبو بكر: لا نعلم خلافا بين السلف في جواز إعطاء المكاتب من الزكاة، فثبت أن إعطاءه مراد بالآية والدفع إليه صدقة صحيحة، وقال الله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء) إلى قوله: (وفي الرقاب) وعتق الرقبة لا يسمى صدقة، وما أعطي في ثمن الرقبة فليس بصدقة لأن بائعها أخذه ثمنا لعبده فلم تحصل بعتق الرقبة صدقة، والله تعالى إنما جعل الصدقات في الرقاب فما ليس بصدقة فهو غير مجزئ. وأيضا فإن الصدقة تقتضي تمليكا والعبد لم يملك شيئا بالعتق وإنما سقط عن رقبته هو ملك للمولى، ولم يحصل ذلك الرق للعبد لأنه لو حصل عبد له لوجب أن يقوم فيه مقام المولى فيتصرف في رقبته كما يتصرف المولى، فثبت أن الذي حصل للعبد إنما هو سقوط ملك المولى وأنه لم يملك بذلك شيئا، فلا يجوز أن يكون ذلك مجزيا من الصدقة إذ شرط الصدقة وقوع