أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٥٦
قوله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لي و لا تفتني). قال ابن عباس ومجاهد:
" نزلت في الجد بن قيس قال ائذن لي ولا تفتني ببنات بني الأصفر فإني مستهتر بالنساء، وكان ذلك حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزاة تبوك " وقال الحسن وقتادة وأبو عبيدة:
" لا تؤثمني بالعصيان في المخالفة التي توجب الفرقة ".
قوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا). روي عن الحسن:
" كل ما يصيبنا من خير وشر فهو مما كتبه في اللوح المحفوظ فليس على ما يتوهمه الكفار من إهمالنا له من غير أن يرجع أمرنا إلى تدبير ربنا ". وقيل: " لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلا ما كتب الله لنا من النصر الذي وعدنا ".
قوله تعالى: (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم) صيغته صيغة الأمر والمراد البيان عن التمكين من الطاعة والمعصية، كقوله: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف: 29]. وقيل: معناه الخبر الذي يدخل فيه " إن " للجزاء، كما قال كثير:
أسيئي بنا أو أحسنت لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت ومعناه: إن أحسنت أو أسأت لم تلامي.
قوله تعالى: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا). قيل فيه ثلاثة أوجه: قال ابن عباس وقتادة: " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة "، فكان ذلك عندهما على تقديم الكلام وتأخيره. وقال الحسن: " ليعذبهم في الزكاة بالإنفاق في سبيل الله ". وقال آخرون: " يعذبهم بها بالمصائب ". وقيل: " قد يكون صفة الكفار بالسبي وغنيمة الأموال ". وهذه " اللام " التي في قوله (ليعذبهم) هي لام العاقبة، كقوله تعالى: (ليكون لهم عدوا وحزنا) [القصص: 8).
قوله تعالى: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم). الحلف تأكيد الخبر بذكر المعظم على منهاج والله وبالله والحروف الموضوعة للقسم، و كذلك القسم واليمين، إلا أن الحلف من إضافة الخبر إلى المعظم، وقوله: (ويحلفون بالله) إخبار عنهم باليمين بالله، وجائز أن يكون أراد الخبر عن المستقبل في أنهم سيحلفون بالله. وقول القائل: أحلف بالله، هو يمين بمنزلته لو حذف ذكر الحلف وقال بالله، لأنه بمنزلة قوله: " أنا حالف بالله " إلا أن يريد به العدة فلا يكون يمينا، فهو ينصرف على المعنى، والظاهر منه إيقاع الحلف بهذا القول كقولك " أنا أعتقد الاسلام " ويحتمل العدة. وأما قوله " بالله " فهو إيقاع لليمين وإن كان فيه إضمار " أحلف بالله " أو " قد حلفت بالله ". وقيل: إنما حذف ذكر الحلف ليدل
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»