مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يتخلف عن غزاة المسلمين إلا عاما واحد ا، فإنه استعمل على الجيش رجل شاب، ثم قال بعد ذلك: وما على من استعمل علي! فكان يقول: قال الله:
(انفروا خفافا وثقالا) فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا. وبإسناده قال أبو عبيد: حدثنا يزيد عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس بن مالك: أن أبا طلحة قرأ هذه الآية:
(انفروا خفافا وثقالا) قال: ما أرى الله إلا يستنفرنا شبانا وشيوخا، جهزوني! فجهزناه، فركب البحر ومات في غزاته تلك، فما وجدنا له جزيرة ندفنه فيها - أو قال: يدفنونه فيها - إلا بعد سابعه (1). قال أبو عبيد: حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في هذه الآية قال: قالوا فينا الثقيل وذو الحاجة والصنعة والمنتشر عليه أمره! قال الله تعالى:
(انفروا خفافا وثقالا)..
فتأول هؤلاء هذه الآية على فرض النفير ابتداء وإن لم يستنفروا، والآية الأولى يقتضي ظاهرها وجوب فرض النفير إذا استنفروا، وقد ذكر في تأويله وجوه، أحدها: أن ذلك كان في غزوة تبوك لما ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم الناس إليها فكان النفير مع رسول الله فرضا على من استنفر، وهو مثل قوله: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) [التوبة: 120]، قالوا: وليس كذلك حكم النفير مع غيره.
وقيل: إن هذه الآية منسوخة. حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم و (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) [التوبة:
120]، نسختها الآية التي تليها: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) [التوبة: 122].
وقال آخرون: ليس في واحدة منهما نسخ وحكمهما ثابت في حالين، فمتى لم يقاوم أهل الثغور العدو واستنفروا ففرض على الناس النفير إليهم حتى يستحيوا الثغور، وإن استغني عنهم باكتفائهم بمن هناك سواء استنفروا أو لم يستنفروا، ومتى قام الذين في وجه العدو بفرض الجهاد واستغنوا بأنفسهم عمن وراءهم فليس على من وراءهم فرض الجهاد إلا أن يشاء من شاء منهم الخروج للقتال فيكون فاعلا للفرض وإن كان معذورا في القعود بديا لأن الجهاد فرض على الكفاية ومتى قام به بعضهم سقط عن الباقين. وقد حدثنا