أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٥٥
على هذا الوجه معصية وكفر، فكرهه الله تعالى وثبطهم عنه إذ كان معصية والله لا يحب الفساد.
وقوله تعالى: (وقيل اقعدوا مع القاعدين)، أي مع النساء والصبيان. وجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: اقعدوا مع القاعدين، وجائز أن يكون قاله بعضهم لبعض.
قوله تعالى: (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) الآية. فيه بيان وجه خروجهم لو خرجوا وإخبار أن المصلحة للمسلمين كانت في تخلفهم، وهذا يدل على أن معاتبة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: (لم أذنت لهم) أن الله علم أنه لو لم يأذن لهم لم يخرجوا أيضا فيظهر للمسلمين كذبهم ونفاقهم، وقد أخبر الله تعالى أن خروجهم لو خرجوا على هذا الوجه كان يكون معصية وفسادا على المؤمنين. وقوله: (ما زادوكم إلا خبالا)، والخبال الاضطراب في الرأي، فأخبر الله تعالى أنهم لو خرجوا لسعوا بين المؤمنين في التضريب وإفساد القلوب والتخذيل عن العدو، فكان ذلك يوجب اضطراب آرائهم.
فإن قال قائل: لم قال: (ما زادوكم إلا خبالا) ولم يكونوا على خبال يزاد فيه؟
قيل له: يحتمل وجهين، أحدهما أنه استثناء منقطع، تقديره ما زادوكم قوة لكن طلبوا لكم الخبال. والآخر: أنه يحتمل أن يكون قوم منهم قد كانوا على خبال في الرأي لما يعرض في النفوس من التلون إلى أن استقر على الصواب، فيقويه هؤلاء حتى يصير خبالا معدولا به عن صواب الرأي.
قوله تعالى: (ولأوضعوا خلالكم). قال الحسن: " ولأوضعوا خلالكم بالنميمة لإفساد ذات بينكم ". وقوله تعالى: (يبغونكم الفتنة) فإن الفتنة ههنا المحنة باختلاف الكلمة والفرقة، ويجوز أن يريد به الكفر، لأنه يسمى بهذا الاسم لقوله تعالى:
(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) [البقرة: 193]، وقوله: (والفتنة أشد من القتل) [البقرة: 193].
وقوله: (وفيكم سماعون لهم)، قال الحسن ومجاهد: " عيون منهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم ". وقال قتادة وابن إسحاق: " قابلون منهم عند سماع قولهم ".
قوله تعالى: (لقد ابتغوا الفتنة من قبل)، يعني طلبوا الفتنة، وهي ههنا الاختلاف الموجب للفرقة بعد الألفة.
وقوله تعالى: (وقلبوا لك الأمور)، يعني به تصريف الأمور وتقليبها ظهرا لبطن طلبا لوجه الحيلة والمكيدة في إطفاء نوره وإبطال أمره، فأبى الله تعالى إلا إظهار دينه وإعزاز نبيه وعصمه من كيدهم وحيلهم.
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»