وهذه الآية أيضا تدل على وجوب فرض الجهاد بالمال والنفس جميعا، لأنه قال تعالى:
(أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم)، فذمهم على الاستئذان في ترك الجهاد بهما.
مطلب: في الجهاد بالمال والجهاد بالمال يكون على وجهين، أحدهما: إنفاق المال في إعداد الكراع والسلاح والآلة والراحلة والزاد وما جرى مجراه مما يحتاج إليه لنفسه. والثاني: إنفاق المال على غيره مما يجاهد ومعونته بالزاد والعدة ونحوها.
مطلب: في الجهاد بالنفس والجهاد بالنفس على ضروب: منها الخروج بنفسه ومباشرة القتال، ومنها بيان ما افترض الله من الجهاد وذكر الثواب الجزيل لمن قام به والعقاب لمن قعد عنه، ومنها التحريض والأمر، ومنها الإخبار بعورات العدو وما يعلمه من مكايد الحرب وسداد الرأي وإرشاد المسلمين إلى الأولى والأصلح في أمر الحروب، كما قال الخباب بن المنذر حين نزل النبي صلى الله عليه وسلم ببدر فقال: يا رسول الله أهذا رأي رأيته أم وحي؟ فقال: " بل رأي رأيته " قال: فإني أرى أن تنزل على الماء وتجعله خلف ظهرك وتعور الآبار التي في ناحية العدو، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ونحو ذلك من كل قول يقوي أمر المسلمين ويوهن أمر العدو.
مطلب: في جهاد العلم فإن قيل: فأي الجهادين أفضل أجهاد النفس والمال أم جهاد العلم؟ قيل له:
الجهاد بالسيف مبني على جهاد العلم وفرع عليه، لأنه غير جائز أن يعدوا في جهاد السيف ما يوجبه العلم فجهاد العلم أصل وجهاد النفس فرع، والأصل أولى بالتفضيل من الفرع.
مطلب في أن تعلم العلم أفضل أم الجهاد فإن قيل: تعلم العلم أفضل أم جهاد المشركين؟ قيل له: إذا خيف معرة العدو وإقدامهم على المسلمين ولم يكن بإزائه من يدفعه فقد تعين فرض الجهاد على كل أحد، الاشتغال في هذه الحال بالجهاد أفضل من تعلم العلم، لأن ضرر العدو إذا وقع بالمسلمين لم يمكن تلافيه وتعلم العلم ممكن في سائر الأحوال، ولأن تعلم العلم فرض على الكفاية لا على كل أحد في خاصة نفسه، ومتى لم يكن بإزاء العدو من يدفعه عن المسلمين فقد تعين فرض الجهاد على كل أحد، وما كان فرضا معينا على الانسان غير