على وقوع الحلف ويزول احتمال العدة كما حذف في " والله لأفعلن " ليدل أن القائل حالف لا واعد.
وقوله تعالى: (إنهم لمنكم) معناه في الإيمان والطاعة والدين والملة، فأكذبهم الله تعالى. والإضافة منهم جائزة إذا كان على دينهم كما قال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) و (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض)، فنسب بعضهم إلى بعض لاتفاقهم في الدين والملة.
قوله تعالى: (ومنهم من يلمزك في الصدقات). قال الحسن: " يعيبك ". وقيل:
اللمز العيب سرا والهمز العيب بكسر العين. وقال قتادة: " يطعن عليك ". ويقال: إن هؤلاء كانوا قوما منافقين أرادوا أن يعطيهم رسول الله من الصدقات ولم يكن جائزا أن يعطيهم منها لأنهم ليسوا من أهلها، فطعنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمة الصدقات وقالوا يؤثر بها أقرباءه وأهل مودته، ويدل عليه قوله تعالى: (فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون)، وأخبر أنه لا حظ لهؤلاء في الصدقات وإنما هي للفقراء والمساكين ومن ذكر.
قوله تعالى: (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) فيه ضمير جواب " لو " تقديره: ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله لكان خيرا لهم أو أعود عليهم، وحذف الجواب في مثله أبلغ لأنه لتأكيد الخبر به استغني عن ذكره مع أن النفس تذهب إلى كل نوع منه والذكر يقصره على المذكور منه دون غيره.
وفيه إخبار على أن الرضا بفعل الله يوجب المزيد من الخير جزاء للراضي على فعله.
مطلب: في بيان معنى الفقير و المسكين قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) الآية. قال الزهري:
" الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل ". وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في حد الفقير والمسكين مثل هذا، وهذا يدل على أنه رأى المسكين أضعف حالا وأبلغ في جهد الفقر والعدم من الفقير. وروي عن ابن عباس والحسن وجابر بن زيد والزهري ومجاهد قالوا: " الفقير المتعفف الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل "، فكان قول أبي حنيفة موافقا لقول هؤلاء السلف. ويدل على هذا قوله تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) [البقرة: 273] فسماهم فقراء ووصفهم بالتعفف وترك المسألة. وروي عن قتادة قال: " الفقير ذو الزمانة من أهل الحاجة،