أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٢٣
أمرائه على بعض بلدان اليمن أن يأخذ من كل حالم أو حالمة دينارا أو عدله من المعافر.
وقال أصحابنا: تؤخذ من موالي بني تغلب إذ كانوا كفارا الجزية ولا تضاعف عليهم الحقوق في أموالهم، لأن عمر إنما صالح بني تغلب على ذلك ولم يذكر فيه الموالي، فمواليهم باقون على حكم سائر أهل الذمة في أخذ جزية الرؤوس منهم على الطبقات المعلومة، وليس بواجب أن يكونوا في حكم مواليهم كما أن المسلم إذا أعتق عبدا نصرانيا لا يكون في حكم مولاه في باب سقوط الجزية عنه.
فإن قيل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " موالي القوم من أنفسهم ". قيل له: مراده أنه منهم في الانتساب إليهم، نحو مولى بني هاشم يسمى هاشميا ومولى بني تميم يسمى تميميا، وفي النصرة والعقل كما يعقل عنه ذوي الأنساب، فهذا معنى قوله: " موالي القوم منهم " ولا دلالة فيه على أن حكمه حكمهم في إيجاب الجزية وسقوطها. وأما شرط عمر عليهم أن لا يغمسوا أولادهم في النصرانية فإنه قد روي في بعض الأخبار أنه شرط أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية إذا أرادوا الاسلام فإنما شرط عليهم بذلك أنه ليس لهم أن يمنعوا أولادهم الاسلام إذا أرادوه.
مطلب: في محاورة الرشيد مع محمد بن الحسن وقد حدثنا مكرم بن أحمد بن مكرم قال: حدثنا أحمد بن عطية الكوفي قال:
سمعت أبا عبيد يقول: كنا مع محمد بن الحسن إذ أقبل الرشيد، فقام الناس كلهم إلا محمد بن الحسن فإنه لم يقم، وكان الحسن بن زياد معتل القلب على محمد بن الحسن، فقام ودخل ودخل الناس من أصحاب الخليفة، فأمهل الرشيد يسيرا ثم خرج الإذن، فقام محمد بن الحسن فجزع أصحابه له، فأدخل فأمهل ثم خرج طيب النفس مسرورا، قال:
قال لي: مالك لم تقم مع الناس؟ قال: كرهت أن أخرج عن الطبقة التي جعلتني فيها، إنك أهلتني يقول للعلم فكرهت أن أخرج إلى طبقة الخدمة التي هي خارجة منه، وإن ابن عمك صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب أن يميل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " وإنه إنما أراد بذلك العلماء، فمن قال بحق الخدمة وإعزاز الملك فهو هيبة للعدو ومن قعد اتباعا للسنة التي عنكم أخذت فهو زين لكم، قال: صدقت يا محمد! ثم شاورني فقال: إن عمر بن الخطاب صالح بني تغلب على أن لا ينصروا أولادهم وقد نصروا أبناءهم وحلت بذلك دماءهم، فما ترى؟ قال: قلت: إن عمر أمرهم بذلك وقد نصروا أولادهم بعد عمر واحتمل ذلك عثمان وابن عمك وكان من العلم بما لا خفاء به عليك وجرت بذلك السنن، فهذا صلح من الخلفاء بعده ولا شيء يلحقك في ذلك، وقد كشفت لك العلم
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»