أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٢٠
والمجوس والصابئين فقد انتظمهم اللفظ، ولولا ورود آية التخصيص في أهل الكتاب خصوا من الجملة ومن عداهم محمولون على حكم الآية عربا كانوا أو عجما.
ولم يختلفوا في جواز إقرار المجوس بالجزية، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أخبار، وروى سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع مجالدا يقول: " لم يكن عمر بن الخطاب يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ". وروى مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر ذكر المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم، فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب ". وروى يحيى بن آدم عن المسعودي عن قتادة عن أبي مجلز قال: " كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر أنه من استقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، ومن أحب ذلك من المجوس فهو آمن ومن أبى فعليه الجزية ". وروى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس البحرين يدعوهم إلى الاسلام، فمن أسلم منهم قبل منه، ومن أبى ضربت عليه الجزية، ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة ".
وروى الطحاوي عن بكار بن قتيبة قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمران: حدثنا عوف قال:
" كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة: أما بعد فاسأل الحسن ما منع من قبلنا من الأئمة أن يحولوا بين المجوس وبين ما يجمعون من النساء اللاتي لا يجمعهن أحد غيرهم؟ فسأله، فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من مجوس البحرين الجزية وأقرهم على مجوسيتهم وعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على البحرين العلاء بن الحضرمي، وفعله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ". وروى معمر عن الزهري: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب ". وروى الزهري عن سعيد بن المسيب: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وأن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس السواد، وأن عثمان أخذها من بربر ".
وفي هذه الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من المجوس، وفي بعضها أنه أخذها من عبدة الأوثان من غير العرب، ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في جواز أخذ الجزية من المجوس، وقد نقلت الأمة أخذ عمر بن الخطاب الجزية من مجوس السواد، فمن الناس من يقول إنما أخذها لأن المجوس أهل كتاب ويحتج في ذلك بما روى سفيان بن عيينة عن أبي سعيد عن نصر بن عاصم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان أخذوا الجزية من المجوس، وقال علي: " أنا أعلم الناس بهم كانوا أهل كتاب يقرؤونه وأهل علم يدرسونه فنزع ذلك من صدورهم "، وقد ذكرنا فيما تقدم من الدلالة على أنهم ليسوا
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»