أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٢٧
وكانت ثمانية وأربعين فجعلها خمسين. واحتج من قال بجواز الزيادة بهذا الحديث، وهذا ليس بمشهور ولم تثبت به رواية. واحتجوا أيضا بما روى أبو اليمان عن صفوان بن عمرو عن عمر بن عبد العزيز: " أنه فرض على رهبان الديارات على كل راهب دينارين "، وهذا عندنا على أنه ذاهب من الطبقة الوسطى، فأوجب ذلك عليهم على ما رأى من احتمالهم له، كما روى سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: سألت مجاهدا: لم وضع عمر على أهل الشام من الجزية أكثر مما وضع على أهل اليمن؟ قال: لليسار.
في تمييز الطبقات قال أبو يوسف في كتاب الخراج: " تؤخذ منهم على الطبقات على ما وصفت ثمانية وأربعين على الموسر مثل الصيرفي والبزاز وصاحب الصنعة والتاجر والمعالج والطبيب، وكل من كان في يده منهم صنعة وتجارة يحترف بها أخذ من أهل كل صناعة وتجارة على قدر صناعتهم وتجارتهم ثمانية وأربعون على الموسر وأربعة وعشرون من المتوسط، من احتملت صناعته ثمانية وأربعين أخذ منه ذلك ومن احتملت أربعة وعشرين أخذ ذلك منه، واثنا عشر على العامل بيده مثل الخياط والصباغ والجزار والإسكاف ومن أشبههم ". فلم يعتبر الملك واعتبر الصناعات والتجارات على ما جرت به عادة الناس في الموسر والمعسر منهم. وذكر علي بن موسى القمي من غير أن عزي ذلك إلى أحد من أصحابنا أن الطبقة الأولى من يحترف وليس له ما يجب في مثله الزكاة على المسلمين وهم الفقراء المحترفون، فمن كان له أقل من مائتي درهم فهم من أهل هذه الطبقة، قال:
والطبقة الثانية أن يبلغ مال الرجل مائتي درهم فما زاد إلى أربعة آلاف درهم، لأن من له مائتا درهم غني تجب عليه الزكاة لو كان مسلما فهو خارج عن طبقة الفقراء، قال: وإنما أخذنا اعتبار الأربعة الآلاف من قول علي رضي الله عنه وابن عمر: " أربعة آلاف فما دونها نفقة وما فوق ذلك فهو كثير "، قال: وقد يجوز أن تجعل الطبقة الثانية من ملك مائتي درهم إلى عشرة آلاف درهم وما زاد على ذلك فهو من الطبقة الثالثة لما روى حماد بن سلمة عن طلحة بن عبد الله بن كريز عن أبي الضيف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من ترك عشرة آلاف درهم جعلت صفائح يعذب بها يوم القيامة ". وهذا الذي ذكره علي بن موسى القمي هو اجتهاد يسوغ القول به لمن غلب في ظنه صوابه.
وقوله تعالى: (عن يد) قال قتادة: " عن قهر "، كأنه ذهب في اليد إلى القوة والقدرة والاستعلاء، فكأنه قال: على استعلاء منكم عليهم وقهرهم. وقيل: (عن يد) يعني عن يد الكافر. وإنما ذكر اليد ليفارق حال الغصب، لأنه يعطيها بيده راضيا بها
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»