أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٢١
أهل كتاب من جهة الكتاب والسنة. وأما ما روي عن علي في ذلك أنهم كانوا أهل كتاب، فإنه إن صحت الرواية فإن المراد أن أسلافهم كانوا أهل كتاب لإخباره بأن ذلك نزع من صدورهم، فإذا ليسوا أهل كتاب في هذا الكتاب. ويدل على أنهم ليسوا أهل كتاب ما روي في حديث الحسن بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مجوس البحرين: " إن من أبى منهم الاسلام ضربت عليه الجزية ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة "، ولو كانوا أهل كتاب لجاز أكل ذبائحهم ومناكحة نسائهم، لأن الله تعالى قد أباح ذلك من أهل الكتاب. ولما ثبت أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من المجوس وليسوا أهل كتاب ثبت جواز أخذها من سائر الكفار أهل كتاب كانوا أو غير أهل كتاب إلا عبدة الأوثان من العرب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منهم إلا الاسلام أو السيف، وبقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، وهذا في عبدة الأوثان من العرب. ويدل على جواز أخذ الجزية من سائر المشركين سوى مشركي العرب حديث علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية قال: " إذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن أبوا فادعوهم إلى إعطاء الجزية "، وذلك عام في سائر المشركين، وخصصنا منهم مشركي العرب بالآية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيهم.
باب حكم نصارى بني تغلب قال الله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) إلى قوله: (من الذين أوتوا الكتاب) ونصارى بني تغلب منهم لأنهم ينتحلون نحلتهم وإن لم يكونوا متمسكين بجميع شرائعهم، وقال الله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) [المائدة:
51] فجعل الله تعالى من يتولى قوما منهم في حكمهم، ولذلك قال ابن عباس في نصارى بني تغلب: إنهم لو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم لقوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) [المائدة: 51]، وذلك حين قال علي رضي الله عنه: إنهم لم يتعلقوا من النصرانية إلا بشرب الخمر، قال ابن عباس ذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين جاءه فقال له: " أما تقول إلا أن يقال لا إله إلا الله؟ " فقال: إن لي دينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" أنا أعلم به منك ألست ركوسيا؟ " قال: نعم، قال: " ألست تأخذ المرباع؟ " قال: نعم، قال: " فإن ذلك لا يحل لك في دينك " فنسبه إلى صنف من النصارى مع اخباره بأنه غير متمسك به فأخذه المرباع، وهو ربع الغنيمة، والغنيمة غير مباحة في دين النصارى، فثبت بذلك أن انتحال بني تغلب لدين النصارى يوجب أن يكون حكمهم حكمهم وأن يكونوا أهل كتاب، وإذا كانوا من أهل الكتاب وجب أخذ الجزية منهم.
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»