في حديث عمرو بن ميمون على أن مراده أكثر ما وضع من الجزية وهو ما على الطبقة العليا دون الوسطى والسفلى. وروى مالك عن نافع عن أسلم: " أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام "، وهذا نحو رواية عمرو بن ميمون لأن أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام مع الأربعين يفي ثمانية وأربعين درهما، فكان الخبر الذي فيه تفصيل الطبقات الثلاث أولى بالاستعمال لما فيه من الزيادة وبيان حكم كل طبقة، ولأن من وضعها على الطبقات فهو قائل بخبر الثمانية والأربعين ومن اقتصر على الثمانية والأربعين فهو تارك للخبر الذي فيه ذكر تمييز الطبقات وتخصيص كل واحد بمقدار منها.
واحتج من قال بدينار على الغني والفقير بما روى عن معاذ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله من المعافر "، وهذا عندنا فيما كان منه على وجه الصلح أو يكون ذلك جزية الفقراء منهم، وذلك عندنا جائز، والدليل عليه ما روي في بعض أخبار معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ من كل حالم أو حالمة دينارا، ولا خلاف أن المرأة لا تؤخذ منها الجزية إلا أن يقع الصلح عليه. وروى أبو عبيد عن جرير عن منصور عن الحكم قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ وهو باليمن: " إن في الحالم والحالمة دينارا أو عدله من المعافر " قال أبو عبيد: وحدثنا عثمان بن صالح عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن: " أنه من كان على يهودية أو نصرانية فإنه لا ينقل عنها وعليه الجزية وعلى كل حالم ذكر أو أنثى عبدا أو أمة دينار أو قيمته من المعافر " ويدل على أن الجزية على الطبقات الثلاث أن خراج الأرضين جعل على مقدار الطاقة، واختلف بحسب اختلافها في الأرض وغلتها، فجعل على بعضها قفيزا ودرهما وعلى بعضها خمسة دراهم وعلى بعضها عشرة دراهم، فوجب على ذلك أن يكون كذلك حكم خراج الرؤوس على قدر الإمكان والطاقة، ويدل على ذلك قول عمر لحذيفة وعثمان بن حنيف: لعلكما حملتما أهل الأرض مالا يطيقون؟ فقالا: بل تركنا لهم فضلا. وهذا يدل على أن الاعتبار بمقدار الطاقة، وذلك يوجب اعتبار حالي الإعسار واليسار. وذكر يحيى بن آدم أن الجزية على مقدار الاحتمال بغير توقيت، وهو خلاف الاجماع. وحكي عن الحسن بن صالح أنه لا تجوز الزيادة في الجزية على وظيفة عمر ويجوز النقصان، وقال غيره: يجوز الزيادة و النقصان على حسب الطاقة. وقد روى الحكم عن عمرو بن ميمون أنه شهد عمر يقول لعثمان بن حنيف: " والله لئن وضعت عن كل جريب من الأرض قفيزا ودرهما وعلى كل رأس درهمين لا يشق ذلك عليهم ولا يجهدهم! " قال: