حاقنا بها دمه، فكأنه قال: حتى يعطيها وهو راض بها. ويحتمل: (عن يد) عن نعمة، فيكون تقديره: حتى يعطوا الجزية عن اعتراف منهم بالنعمة فيها عليهم بقبولها منهم.
وقال بعضهم: (عن يد) يعني عن نقد من قولهم: يدا بيد. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كل من أطاع القاهر بشيء أعطاه عن طيب نفس وقهر له من يد في يده فقد أعطاه عن يد. قال: والصاغر الذليل الحقير. وقوله: (وهم صاغرون) قال ابن عباس:
" يمشون بها ملببين "، وقال سلمان (1): مذمومين غير محمودين "، وقيل: " إنما كان صغارا لأنها مستحقة عليهم يؤخذون بها ولا يثابون عليها ". وقال عكرمة: " الصغار إعطاء الجزية قائما والآخذ جالس ". وقيل: " الصغار الذل ". ويجوز أن يكون المراد به الذلة التي ضربها الله عليهم بقوله: (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس) [آل عمران: 112]، والحبل الذمة التي عهدها الله لهم وأمر المسلمين بها فيهم.
وروى عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب أنه كان يستحب أن يتعب الأنباط في الجزية إذا أخذت منهم. قال أبو بكر: ولم يرد بذلك تعذيبهم ولا تكليفهم فوق طاقتهم، وإنما أراد الاستخفاف بهم وإذلالهم. وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إسحاق بن الحسن: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى ضيقه ". وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا مطير قال: حدثنا يوسف الصفار قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصافحوا اليهود والنصارى ". فهذا كله من الصغار الذي ألبس الله الكفار بكفرهم، ونحوه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) [آل عمران: 118] الآية، وقال: (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) [المائدة 51]، فنهى في هذه الآيات عن موالاة الكفار وإكرامهم وأمر بإهانتهم وإذلالهم، ونهى عن الاستعانة بهم في أمور المسلمين لما فيه من العز وعلو اليد، وكذلك كتب عمر إلى أبي موسى ينهاه أن يستعين بأحد من أهل الشرك في كتابته، وتلا قوله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا) [آل عمران: 118]، وقال:
لا تردوهم إلى العز بعد إذلالهم من الله.
وقوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) قد اقتضى وجوب قتلهم إلى أن تؤخذ منهم الجزية على وجه الصغار والذلة، فغير جائز على هذه القضية أن تكون