يعني: قهر الرباب إذ كرهوا طاعته وأبوا الانقياد له. وقوله تعالى: (مالك يوم الدين) [الفاتحة: 4] قيل إنه يوم الجزاء، ومنه: كما تدين تدان.
مطلب: في تفسير دين الحق ودين اليهود والنصارى غير دين الحق، لأنهم غير منقادين لأمر الله ولا طائعين له لجحودهم نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: فهم يدينون بدين التوراة والإنجيل ويعترفون به منقادين له. قيل له: في التوراة والإنجيل ذكر نبينا وأمرنا بالإيمان واتباع شرائعه، وهم غير عاملين بذلك بل تاركون له، فهم غير متبعين دين الحق. وأيضا فإن شريعة التوراة والإنجيل قد نسخت والعمل بها بعد النسخ ضلال فليس هو إذا دين الحق. وأيضا فهم قد غيروا المعاني وحرفوها عن مواضعها وأزالوها إلى ما تهواه أنفسهم دون ما أوجبته عليهم كتب الله تعالى، فهم غير دائنين دين الحق.
قوله تعالى: (من الذين أوتوا الكتاب)، فإن أهل الكتاب من الكفار هم اليهود والنصارى لقوله تعالى: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) [الأنعام:
156]، فلو كان المجوس أو غيرهم من أهل الشرك من أهل الكتاب لكانوا ثلاث طوائف، وقد اقتضت الآية أن أهل الكتاب طائفتان، وقد بيناه فيما سلف.
مطلب: في الصابئين وفي بعض فرق النصارى وتقدم الكلام أيضا في حكم الصابئين وهل هم أهل الكتاب أم لا، وهم فريقان:
أحدهما بنوا حي كسكر والبطائح، وهم فيما بلغنا صنف من النصارى وإن كانوا مخالفين لهم في كثير من دياناتهم، لأن النصارى فرق كثيرة منهم المرقونية والآريوسية والمارونية، والفرق الثلاث من النسطورية والملكية واليعقوبية يبرؤون منهم ويحرمونهم، وهم ينتمون إلى يحيى بن زكريا وشيث وينتحلون كتبا يزعمون أنها كتب الله التي أنزلها على شيث بن آدم ويحيى بن زكريا، والنصارى تسميهم يوحناسية، فهذه الفرقة يجعلها أبو حنيفة رحمه الله من أهل الكتاب ويبيح أكل ذبائحهم ومناكحة نسائهم. وفرقة أخرى قد تسمت بالصابئين، وهم الحرانيون الذين بناحية حران، وهم عبدة الأوثان ولا ينتمون إلى أحد من الأنبياء ولا ينتحلون شيئا من كتب الله، فهؤلاء ليسوا أهل الكتاب.
ولا خلاف أن هذه النحلة لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم، فمذهب أبي حنيفة في جعله الصابئين من أهل الكتاب محمول على مراده الفرقة الأولى. وأما أبو يوسف