إسرائيل وجرت فينا " يعنون أن من جحد منا حكم أو حكم بغير حكم الله ثم قال إن هذا حكم الله، فهو كافر كما كفرت بنو إسرائيل حين فعلوا ذلك وإن كان المراد به كفر النعمة فإن كفران النعمة قد يكون بترك الشكر عليها من غير جحود، فلا يكون فاعله خارجا من الملة، والأظهر هو المعنى الأول لإطلاقه اسم الكفر على من لم يحكم بما أنزل الله. وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود لها، وأكفروا بذلك كل من عصى الله بكبيرة أو صغيرة، فأداهم ذلك إلى الكفر والضلال بتكفيرهم الأنبياء بصغائر ذنوبهم.
قوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين) الآية. فيه إخبار عما كتب الله على بني إسرائيل في التوراة من القصاص في النفس وفي الأعضاء المذكورة. وقد استدل أبو يوسف بظاهر هذه الآية على إيجاب القصاص بين الرجل والمرأة في النفس، لقوله تعالى: (أن النفس بالنفس)، وهذا يدل على أنه كان من مذهبه أن شرائع من كان قبلنا حكمها ثابت إلى أن يرد نسخها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أو بنص القرآن.
وقوله في نسق الآية: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) دليل على ثبوت هذا الحكم في وقت نزول هذه الآية من وجهين، أحدهما: أنه قد ثبت أن ذلك مما أنزل الله ولم يفرق بين شئ من الأزمان، فهو ثابت في كل الأزمان إلى أن يرد نسخه. والثاني: معلوم أنهم استحقوا سمة الظلم والفسق في وقت نزول الآية لتركهم الحكم بما أنزل الله تعالى من ذلك وقت نزول الآية، إما جحودا له أو تركا لفعل ما أوجب الله من ذلك، وهذا يقتضي وجوب القصاص في سائر النفوس ما لم تقم دلالة نسخه أو تخصيصه.
وقوله تعالى: (والعين بالعين) معناه عند أصحابنا في العين إذا ضربت فذهب ضوؤها، وليس هو على أن تقلع عينه، هذا عندهم لا قصاص فيه لتعذر استيفاء القصاص في مثله، ألا ترى أنا لا نقف على الحد الذي يجب قلعه منها؟ فهو كمن قطع قطعة لحم من فخذ رجل أو ذراعه أو قطع بعض فخذه، فلا يجب فيه القصاص، وإنما القصاص عندهم فيما قد ذهب ضوؤها وهي قائمة أن تشد عينه الأخرى وتحمى له مرآة فتقدم إلى العين التي فيها القصاص حتى يذهب ضوؤها.
وأما قوله تعالى: (والأنف بالأنف) فإن أصحابنا قالوا: إذا قطعه من أصله فلا قصاص فيه، لأنه عظم لا يمكن استيفاء القصاص فيه، كما لو قطع يده من نصف الساعد وكما لو قطع رجله من نصف الفخذ لا خلاف في سقوط القصاص فيه لتعذر استيفاء