التيمم، ومن أجل ذلك قال أبو حنيفة ومحمد: " ومن خاف برد الماء إن اغتسل جاز له التيمم لما يخاف من الضرر ". وقد روي في حديث عمرو بن العاص أنه تيمم مع وجود الماء لخوف البرد، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره. وقد اتفقوا على جوازه في السفر مع وجود الماء لخوف البرد، فوجب أن يكون الحضر مثله لوجود العلة المبيحة له، وكما لم يختلف حكم المرض في السفر والحضر كذلك حكم خوف ضرر الماء لأجل البرد.
وقوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) فإن " أو " ههنا بمعنى " الواو "، تقديره وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط وذلك راجع إلى المريض والمسافر إذا محدثين ولزمهما فرض الصلاة وإنما قلنا إن قوله (أو جاء أحد منكم من الغائط) بمعنى الواو. لأنه لو لم يكن كذلك لكان الجائي من الغائط ثالثا لهما غير المريض والمسافر، فلا يكون حينئذ وجوب الطهارة على المريض والمسافر متعلقا بالحدث، ومعلوم أن المريض والمسافر لا يلزمهما التيمم إلا أن يكونا محدثين، فوجب أن يكون قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) بمعنى: وجاء أحدكم، كقوله:
(وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) [الصافات: 147] معناه: ويزيدون، وكقوله: (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) [النساء: 135] ومعناه: غنيا وفقيرا.
وأما قوله تعالى: (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا) فإن السلف قد تنازعوا في معنى الملامسة المذكورة في هذه الآية، فقال علي وابن عباس وأبو موسى والحسن وعبيدة والشعبي: " هي كناية عن الجماع " وكانوا لا يوجبون الوضوء لمن مس امرأته. وقال عمر وعبد الله بن مسعود: " المراد اللمس باليد " وكانا يوجبان الوضوء بمس المرأة ولا يريان للجنب أن يتيمم. فمن تأوله من الصحابة على الجماع لم يوجب الوضوء من مس المرأة، ومن حمله على اللمس باليد أوجب الوضوء من مس المرأة ولم يجز التيمم للجنب. واختلف الفقهاء في ذلك أيضا، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والثوري والأوزاعي: " لا وضوء على من مس امرأة لشهوة مسها أو لغير شهوة ".
وقال مالك: " إن مسها لشهوة تلذذا فعليه الوضوء وكذلك إن مسته تلذذا فعليها الوضوء "، وقال: " إن مس شعرها تلذذا فعليه الوضوء وإذا قال لها شعرك طالق طلقت ".
وقال الحسن بن صالح: " إن قبل لشهوة فعليه الوضوء وإن كان لغير شهوة فلا وضوء عليه ". وقال الليث: " إن مسها فوق الثياب تلذذا فعليه الوضوء ". وقال الشافعي: " إذا مس جسدها فعليه الوضوء لشهوة أو لغير شهوة ".
والدليل على أن لمسها ليس بحدث على أي وجه كان، ما روي عن عائشة من طرق مختلفة بأن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ "، كما روي: " أنه