عدل "، ويكون واجدا لها وإن لم يطلبها، وقال في الرقبة: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) [النساء: 92، المجادلة: 4] ومعناه: ليس في ملكه ولا له قيمتها، لا أنه أوجب عليه أن يطلبها. فإذا كان الوجود قد يكون من غير طلب فمن ليس بحضرته ماء ولا هو عالم به فهو غير واجد، وإذا تناوله إطلاق اللفظ لم يجز لنا أن نزيد فيه فرض الطلب، لأن فيه إلحاق الزيادة بحكم الآية، وذلك غير جائز. ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم:
" جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء "، وقال لأبي ذر: " التراب كافيك ولو إلى عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك ". ويدل أيضا على أن الوجود لا يقتضي الطلب أنه قد يكون واجدا لما يحصل عنده من شئ من غير طلب منه من ماء أو غيره، فيقال: هذا واجد للرقبة، إذا كانت عنده وإن لم يطلبها.
فإن قال قائل: ما أنكرت أنه جائز أن يقال إنه واجد لما لم يطلبه ولا يقال إنه غير واجد إلا أن يكون قد طلبه؟ قيل له: إذا كان الوجود لا يقتضي الطلب وليس ذلك شرطه، فنفى الوجود مثله لأنه ضده، فما جاز إطلاقه عليه جاز على عدمه، ألا ترى أنه يصح أن يقال هو غير واجد لألف دينار وإن لم يتقدم منه طلب، ولو ضاع منه مال جاز أن يقال إنه لم يجده وإن لم يكن منه طلب، كما يقال هو واجده وإن لم يطلبه؟ فالوجود ونفيه سواء في أن كل واحد منهما لا يتعلق إطلاق الاسم فيه بالطلب، وقد قال الله تعالى: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) [الأعراف: 102] فأطلق الوجود في النفي كما أطلقه في الإثبات مع عدم الطلب فيهما.
فإن قيل: لو كان مع رفيق له ماء فلم يطلبه لم يصح تيممه حتى يطلبه فيمنعه، وهذا يدل على وجوب الطلب، ويؤكده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود ليلة الجن: " هل معك ماء؟ " فطلبه. قيل له: أما طلبه من رفيقه، فقد روي عن أبي حنيفة أن صلاته جائزة وإن لم يطلبه، وأما على قول أبي يوسف ومحمد فإنه لا يجزيه حتى يطلب فيمنعه، وهذا عندنا إذا كان طامعا منه في بذله له وأنه إن لم يطمع في ذلك فليس عليه الطلب، ونظيره أن يطمع في ماء موجود بالقرب أو يخبره به مخبر فلا يجوز تيممه، لأن غالب الظن في مثله يقوم مقام اليقين كما لو غلب في ظنه أنه إن صار إلى النهر وهو بالقرب منه افترسه سبع أو اعترض له قاطع طريق جاز له أن يتيمم، وإن غلب على ظنه السلامة لم يجز له التيمم، فليس هذا من قول من يوجب الطلب في شئ. وأما حديث عبد الله بن مسعود وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم إياه الماء وأن النبي صلى الله عليه وسلم وجه عليا في طلب الماء، فإن فعله صلى الله عليه وسلم ليس على الوجوب، وهو عندنا مستحب كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضا لا يخلو