لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) فتضمنت الآية بيان حكم المريض الذي يخاف ضرر استعمال الماء، وحكم المسافر الذي لا يجد الماء إذا كان جنبا أو محدثا، لأن قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) في بيان حكم الحدث، لأن الغائط هو اسم للمنخفض من الأرض، وكانوا يقضون الحاجة هناك، فجعل ذلك كناية عن الحدث. وقوله: (أو لامستم النساء) مفيد لحكم الجنابة في حال عدم الماء لما يستدل عليه إن شاء الله تعالى.
وقد دل ظاهر قوله: (وإن كنتم مرضى) على إباحة التيمم لسائر المرضى بحق العموم، لولا قيام الدلالة على أن المراد بعض المرضى، فروي عن ابن عباس وجماعة من التابعين: " أنه المجدور ومن يضره الماء " ولا خلاف مع ذلك أن المريض الذي لا يضره استعمال الماء لا يباح له التيمم مع وجود الماء. وإباحة التيمم للمريض غير مضمنة بعدم الماء بل هي مضمنة بخوف ضرر الماء على ما بينا، وذلك لأنه تعالى قال: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) فأباح التيمم للمريض من غير شرط عدم الماء، وعدم الماء إنما هو مشروط للمسافر دون المريض، من قبل أنه لو جعل عدم الماء شرطا في إباحة التيمم للمريض لأدى ذلك إلى اسقاط فائدة ذكر المريض، لأن العلة المبيحة للتيمم وجواز الصلاة به في المريض والمسافر لو كانت عدم الماء لما كان لذكر المريض مع ذكر عدم الماء فائدة، إذ لا تأثير للمرض في إباحة التيمم ولا منعه، إذ كان الحكم متعلقا بعدم الماء.
فإن قيل: إذا جاز أن يذكر حال السفر مع عدم الماء وإن كان جواز التيمم متعلقا بعدم الماء دون السفر، إذ لو كان واجدا للماء لما أجزأه التيمم، لم يمتنع أن تكون إباحة التيمم للمريض موقوفة على حال عدم الماء. قيل له: إنما ذكر المسافر لأن الماء إنما يعدم في السفر في الأعم الأكثر، فإنما ذكر السفر إبانة عن الحال التي يعدم الماء فيها في الأعم الأكثر، كما قال صلى الله عليه وسلم: " لا قطع في ثمر حتى يأويه الجرين " وليس المقصد فيه أن يأويه الجرين فحسب لأنه لو آواه بيت أو دار كان ذلك كذلك، وإنما مراده بلوغ حال الاستحكام وامتناع إسراع الفساد إليه وإيواء الحرز، لأن الجرين الذي يأويه حرز، وكما قال: " في خمس وعشرين بنت مخاض " ولم يرد به وجود المخاض بأمها، وإنما أراد به أنه قد أتى عليها حول وصارت في الثاني، لأنها إذا كانت كذلك كان بأمها مخاض في الأعم الأكثر، فكان فائدة ذكر المسافر مع شرط عدم الماء ما وصفنا. وليس كذلك المريض، لأن المريض لا تعلق له بعدم الماء، فعلمنا أن مراده ما يلحق من الضرر باستعمال الماء. وعموم اللفظ يقتضي جواز التيمم للمريض في كل حال لولا ما روي عن السلف واتفاق الفقهاء عليه من أن المرض الذي لا يضر معه استعمال الماء لا يبيح له